Page 262 - m
P. 262

‫العـدد ‪56‬‬                        ‫‪260‬‬

                                  ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

    ‫يعبر عن رؤية الشاعر للحياة‬    ‫الذي افتتحه به‪ ،‬ولم يضع الشاعر‬       ‫ليسهم في تحديث الفكر النقدي‬
  ‫رغبة في لفت انتباه الجمهور إلى‬       ‫لهذا النص عنوا ًنا في مفارقة‬    ‫الذي يرتبط بالواقع بإشكالياته‬

    ‫الحياة التي تمنحهم الطمأنينة‬     ‫تتمثل في جعل عنوان القصيدة‬           ‫التي يعاني فيها الإنسان من‬
 ‫والجمال‪ ،‬لتكون القصيدة داعمة‬        ‫والديوان آخر جملة من النص‬              ‫مشكلات الحرية والمعيشة‬
  ‫للدعوات الاجتماعية والسياسية‬    ‫الأول من الديوان‪ ،‬ويعالج الشاعر‬                  ‫والسلام والصحة‪.‬‬
‫التي تناقش قضايا التلوث البيئي‬       ‫في هذه القصيدة الفوضى التي‬
 ‫وتدعو إلى حماية البيئة‪ ،‬إذ يقول‬   ‫تسيطر على الواقع الذي رمز إليه‬      ‫وفي ديوان (الليل سيترك باب‬
                                   ‫البريكي بـ(الشارع) (فالشارع‬         ‫المقهى) للشاعر محمد البريكي‪،‬‬
   ‫في قصيدة (البحر يفيض بما‬       ‫أكثر سك ًرا من كل أولئك‪ /‬لا من‬
                        ‫يكفي)‪:‬‬       ‫خمر يترنح‪ /‬لكن طال عليه‬               ‫نجد توج ًها من قبل الشاعر‬
                                     ‫الصبر) فالشارع يحيل للحياة‬          ‫في التعبير عن ارتباطه بالبيئة‬
‫أحضر لي يا ولدي شاي الزعتر‬            ‫والواقع والصبر يعكس حجم‬           ‫والتفاعل مع عناصرها‪ ،‬مقد ًما‬
            ‫فالكون مريض ج ًّدا‬      ‫المعاناة‪ ،‬فالعنوان يصور الرغبة‬        ‫الصورة التي يجب أن تكون‬
                                   ‫بالحياة ويعزز ذلك الومضة التي‬        ‫عليها علاقة الانسان بالطبيعة‪،‬‬
       ‫والأرض تخطفها الرعب‬            ‫جاءت بمثابة إهداء التي يقول‬         ‫فالديوان الذي يضم قصائد‬
         ‫وغط العالم في الخوف‬                                             ‫يحكمها التعامل الإنساني مع‬
       ‫وما عادت أعمدة الشارع‬                                ‫فيها‪:‬‬        ‫الطبيعة والمحيط‪ ،‬وترجم ذلك‬
 ‫تحكي للعشاق حكايات العطر‬                              ‫إلى الحياة‬        ‫بالتصريح تارة وبالرمز تارة‬
        ‫ولا ظل الخطوة ينبض‬                    ‫وهي تفتح لي با ًبا‪..‬‬    ‫أخرى‪ ،‬وأحيا ًنا كنسق مضمر في‬
   ‫فالبريكي في هذه القصية يتألم‬      ‫للعروج إلى سموات القصيدة‬        ‫القصيدة كما هو الحال في قصائد‬
      ‫لما يحل بالكون الذي يصفه‬          ‫فمثلما تدفع الحياة الشاعر‬         ‫(ضفاف الحياة‪ ،‬رقصة في‬
 ‫بالمريض ج ًّدا في محاولة لأنسنة‬     ‫نحو القصيدة تتحول القصيدة‬         ‫الريح‪ ،‬أحب البلاد‪ ،‬أنا البحر‪،‬‬
‫البيئة‪ ،‬يؤنسن بعناصرها المختلفة‬       ‫عند البريكي الأمل الذي يقود‬         ‫احتفا ًء بما تبقى‪ ،‬واقف في‬
        ‫(الكون‪ ،‬الأرض‪ ،‬العالم‪،‬‬       ‫إلى الحياة‪ ،‬فالدعوة للحياة من‬   ‫السماء‪ ،‬وردة في الطريق‪ ،‬جناح‬
‫الشارع) فهو يعبر عن قلقه اتجاه‬        ‫الأمور التي يقف عندها النقد‬        ‫مثقل بالغيم‪ ،‬طريق المعنى‪،‬‬
‫ما يحصل للعالم بعدما طال العالم‬       ‫الأيكولوجي‪ ،‬وهذا الاستعمال‬         ‫معذرة أيها البحر‪ ،‬من جهة‬
   ‫من مخاطر عبر ثلاث مفردات‬       ‫الأدبي والمجازي لعناصر الطبيعة‬      ‫الريح‪ ،‬البحر يفيض بما يكفي‪،‬‬
      ‫(المرض‪ ،‬الرعب‪ ،‬الخوف)‬                                             ‫كم أحب العصافير‪ ،‬منجل لا‬
   ‫صور بها على التوالي (الكون‪،‬‬                                        ‫يقص الشجر) إذ تتجلى في هذه‬
  ‫الأرض‪ ،‬العالم) وفي هذا الجزء‬                                       ‫القصائد علاقة الشعر بالبيئة‪ ،‬من‬
‫من القصيدة يثبت الشاعر مظاهر‬                                          ‫خلال التوظيف الهادف لعناصر‬
  ‫الخوف والقبح الذي طال البيئة‬                                       ‫الطبيعة بوصفها رم ًزا للحياة التي‬
 ‫لينتقل بعد ذلك إلى أسلوب النفي‬                                        ‫يطمح إليها الشاعر‪ ،‬إذ يستثمر‬
      ‫(ما عادت أعمدة الشارع)‬                                            ‫البريكي مخيلته ليرسم صو ًرا‬
‫لتتحرك القصيدة من خلال ثنائية‬                                          ‫شعرية تكون المادة الأولية لهذه‬
  ‫(الإثبات والنفي)‪ ،‬فبعد أن أثبت‬                                         ‫البيئة‪ ،‬ولتفكيك عناصر البيئة‬
    ‫صور الخوف والخطر والقبح‬                                              ‫للكشف عن مدلولاتها تتطلب‬
    ‫للعالم‪ ،‬يعود لينفي عنه السلم‬                                     ‫قراءة خضراء تقترب من الدلالات‬
   ‫والحياة والجمال‪ ،‬في صورتين‬                                        ‫العميقة‪ ،‬وأول مظاهر هذه العلاقة‬
  ‫يؤنسن فيهما (أعمدة الشارع‪،‬‬                                            ‫تتجسد في عنوان الديوان الذي‬
      ‫ظل الخطوة) فنفي الجمال‬                                             ‫يمثل الجملة الأخير من النص‬
     ‫يثبت القبح الذي أرد الشاعر‬
   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267