Page 274 - m
P. 274

‫العـدد ‪56‬‬                             ‫‪272‬‬

                                       ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

  ‫أسرها‪ ،‬فلا يمكنهم إزاء تحريكها‬         ‫خلال شخصية «إسكندر وليم»‪،‬‬             ‫والديني الذي َي ُع ُّد الأحلام‪ ،‬ونبوءات‬
 ‫لهم سوى الاستسلام لها‪ ،‬أو فقط‬            ‫وما تتابع في الرواية من سرقة‬          ‫الع َّرافات وسيلة تحذير رمزية‪ ،‬أو‬
                                         ‫خادمه «يعقوب» لثروته‪ ،‬وتأميم‬            ‫بشارة‪ .‬كان هناك ع َّرافة بالرواية‬
          ‫محاولة تفسير رسائلها‪.‬‬        ‫شقته الأخيرة التي لم يبعها ببيته‪،‬‬         ‫أي ًضا لجأ إليها «يعقوب»‪ ،‬لتفسير‬
‫يسرد الراوي ُكلي المعرفة‪ ،‬باستثناء‬        ‫لكن الروائية لا تؤرخ للأحداث‪،‬‬            ‫حلمه‪ .‬الدلالة الثانية لها ارتباط‬
 ‫فصل «السقوط»‪ ،‬حكايته بأسلوب‬              ‫ولا ُتحلِّل ملابساتها السياسية‪،‬‬          ‫بالأولى‪ ،‬لكنها تفارقها في ال ُبعد‬
                                          ‫ولا ُتس ِّجلها لمتعة التسجيل‪ ،‬بل‬
   ‫البناء الموازي بين صعود أحدهم‬        ‫تبني ذلك من خلال تتابع السرد‪،‬‬          ‫السردي التهكمي لمُ ْست ْقبِل الإشارات‬
‫وهبوط الآخر خلال عشرة فصول‪:‬‬             ‫وما انعكس من الأحداث على حياة‬            ‫نفسه‪ ،‬حيث لم يكن يتح َّل بدرجة‬
                                        ‫شخصياتها الروائية التي تخضع‬                 ‫من النبل أو البطولة كالحالمين‬
   ‫ما قبل الصعود‪ -‬سبع درجات‪-‬‬              ‫لقوة سلطوية قاهرة‪ ،‬فلا يكون‬
‫بين الثبات أو الانزلاق‪ -‬والسقوط‪.‬‬          ‫لإرادتهم الفردية دو ًرا كبي ًرا في‬   ‫ال ُقدامى‪ ،‬بل كان ش ًّرا بشر ًّيا يرتدى‬
                                       ‫بناء حياتهم ومستقبلهم‪ ،‬بل تتغير‬              ‫جلبا ًبا صعيد ًّيا بسي ًطا‪ ،‬كذئب‬
     ‫و ُيش ِّكل السرد المشهدي قوام‬         ‫مواقعهم بين يوم وليلة بسبب‬
‫الرواية من خلال الوصف البصري‪،‬‬          ‫قرا ٍر‪ ،‬أو حيل ٍة من الحيل‪ ،‬فيما ُيزاح‬   ‫متنكر بين الناس‪ .‬والوظيفة الثالثة‬
                                       ‫المُخلصون لقيم العمل عن أماكنهم‪،‬‬                    ‫سأتحدث عنها لاح ًقا‪.‬‬
    ‫والحوار‪ ،‬وعرض الأحداث‪ .‬كما‬           ‫أو يظلون في طبقاتهم المسحوقة‪.‬‬
   ‫يحضر المجاز أي ًضا بشكل عابر‪،‬‬           ‫هنا تظهر وظيفة ثالثة للأحلام‬               ‫ُسلم السماء‬
    ‫لأداء وظيفة الاختزال السردي‪،‬‬        ‫َت ُخ ُّص المجتمع الذي اس ُتلهمت منه‬
  ‫ففي صفحة (‪ )17‬تخبرنا الراوية‬             ‫الرواية؛ إذ تعكس هذه الأحلام‬        ‫الوظيفة الأساسية للسلم هي تهيئة‬
  ‫عن زواج يعقوب وهنية الفقيرين‪:‬‬           ‫فنيًّا طبيعة الواقع نفسه بتداعي‬          ‫الصعود والهبوط‪ ،‬أي أنه راب ٌط‬

      ‫«دخلا دنيا جديدة بكل قديم‪:‬‬             ‫ُصورها غير المنطقي‪ ،‬و َتقلُّب‬       ‫بين موضعين في بناء واحد‪ ،‬وهو‬
    ‫فستان ملبوس عشرات المرات‪،‬‬              ‫أحوالها بين لحظة وأخرى مما‬              ‫يتحقق في الرواية بمعناه الأول‬
    ‫وسرير‪ ،‬وأغطية قديمة‪ ،‬وثياب‬            ‫يمنحها قدرة الترميز إلى وجود‬
                                       ‫قوة عليا تسيطر على الحياة‪ ،‬وفوق‬         ‫لدي الشخصيات الثلاث‪« :‬يعقوب»‪،‬‬
                         ‫بالية»‪.‬‬       ‫قدرة الشخصيات على الخروج من‬             ‫و»هنية»‪ ،‬و»إبراهيم» الذين يعملون‬
‫و ُتق ِّدم بعض الفصول صورة كاملة‬
‫لشخصية ما بكل أزماتها وتطلعاتها‬                                                     ‫خد ًما في بيت «إسكندر وليم»‪.‬‬
  ‫مثل الفصل (‪ )2‬من «درجة أولى»‬                                                     ‫ويقوم السلم ثانيًا بأداء مغ ًزى‬
                                                                                  ‫دلالي بصعود بعض أبناء الطبقة‬
   ‫الذي نعرف فيه حياة «عطا الله»‬
  ‫العبيط‪ ،‬وعلاقته بقططه‪ ،‬وتهتهته‬                                                       ‫شبه المُعدمة إلى قمة الثراء‪،‬‬
  ‫في الكلام‪ ،‬ووفاة زوجته‪ ،‬وحديثه‬                                                  ‫وهبوط طبقة الأثرياء وأصحاب‬
   ‫إلى حيواناته لأن الناس لا تسمع‬                                                  ‫المال والأعمال القدامى إلى الفقر‬
  ‫له‪ .‬وفي الفصل (‪ )3‬ندرك ارتباط‬                                                  ‫والانحطاط‪ ،‬أو طردهم من مصر‬
‫«فايز بن عطا الله» بأرضه‪ ،‬وخوفه‬                                                 ‫كلها ومصادرة أموالهم وأملاكهم‪.‬‬
                                                                                  ‫إنه يختزل قصة وطن في تاريخ‬
    ‫على أبيه إن تركه وسافر للعمل‬                                                ‫يمتد لقرن من الزمان تقريبًا‪ ،‬حيث‬
                       ‫بالقاهرة‪.‬‬                                                ‫تصعد طبقة هامشية ماليًّا وعلميًّا‪،‬‬
                                                                                 ‫ويتشرد كثير من أبناء طبقة ثرية‬
  ‫يقوم السارد أي ًضا بعرض فلسفة‬                                                  ‫راسخة إثر تحول سياسي ضخم‬
  ‫الأبطال في مواقف حوارية‪ ،‬فحين‬                                                ‫من الملكية إلى الجمهورية تلا حركة‬
 ‫وضعت «هنية» أمام «ليلى» فنجان‬                                                   ‫الضباط الأحرار في يوليو ‪،1952‬‬
                                                                               ‫و ُتر ِّكز بؤرة الحكي على طرد اليهود‬
       ‫القهوة التركي‪ ،‬وأنصتت إلى‬                                                 ‫من مصر إثر العدوان الثلاثي من‬
    ‫الموسيقى التي تعزفها‪ ،‬وللوحة‬
   ‫المعلقة على الحائط‪ ،‬خاطبتها ليلى‬
‫قائلة‪« :‬حياة الإنسان ُفرشاة بألوان‬
  ‫مختلفة‪ ،‬ال ِعبرة في اختيار الألوان‪.‬‬
   269   270   271   272   273   274   275   276