Page 219 - merit 43- july 2022
P. 219

‫الملف الثقـافي ‪2 1 7‬‬               ‫حركتنا المستقبلية وسط‬           ‫بعد الغزو والاحتلال‪،‬‬
                                      ‫التموضعات الجديدة‪.‬‬            ‫تبدأ مرحلة أخرى لا‬
   ‫للقلق أن تكون هناك شلل‬           ‫كثيرون في روسيا وفي‬         ‫علاقة لها بموازين القوى‬
  ‫ومجموعات ضمن شعوب‬                                             ‫العسكرية‪ ،‬وإنما تتضمن‬
 ‫ودول أخرى متعطشة هكذا‬             ‫أوكرانيا لا يتوافقون مع‬           ‫عناصر أخرى‪ ،‬مثل‬
   ‫للدماء وللحرق والتدمير‪،‬‬         ‫الحرب‪ ،‬ولديهم عشرات‬        ‫الإرادة والتنظيم واكتساب‬
‫ومنحازة بشكل بائس ومثير‬          ‫الأسباب التي تدعم وتبرر‬         ‫دعم الحلفاء والأصدقاء‬
                                 ‫هذا الموقف‪ ،‬على رأسها أن‬      ‫والمساعدات التي يمكن أن‬
        ‫للغضب والسخرية‪.‬‬             ‫لا أحد يرغب في الحرب‬        ‫تصل إلى الهياكل المنظمة‬
       ‫لن نسعى إلى تسطيح‬                                           ‫التي تقاوم‪ .‬بمعنى أن‬
      ‫الموضوع أو وضعه في‬              ‫ولا يحبها ولا يجعلها‬      ‫القوات المسلحة تأتي هنا‬
 ‫خانة البكائيات والمظلوميات‬           ‫خياره الأول أو حتى‬      ‫في المقام الثاني وتعمل وفق‬
      ‫ونترك دروس الحرب‬           ‫العاشر‪ .‬كثيرون في روسيا‬
‫المرعبة وتداعياتها على البشر‬      ‫وأوكرانيا يقفون بصلابة‬                  ‫معايير أخرى‪.‬‬
‫والحجر‪ .‬نحن أمام أمر واقع‬         ‫ضد الحرب عمو ًما‪ ،‬وضد‬        ‫التمنيات والصور الذهنية‬
  ‫هو الحرب‪ .‬ورؤية الحرب‬          ‫الحرب الدائرة في أوكرانيا‬      ‫وحب هذا الطرف أو ذاك‬
    ‫من الخارج تختلف تما ًما‬       ‫على وجه الخصوص‪ ،‬لأن‬
‫عن المشاركة فيها أو رؤيتها‬           ‫الشعبين ج َّربا الحرب‪،‬‬        ‫والانحياز لهذه الدولة‬
  ‫من الداخل أو تجريبها على‬        ‫ولا يخلو بيت من ضحايا‬          ‫أو تلك من شأنها جمي ًعا‬
 ‫النفس والأبناء ومستقبلهم‪.‬‬            ‫الحرب العالمية الثانية‬
  ‫الحرب أمر مرعب تما ًما لا‬           ‫وتداعياتها وتوابعها‪،‬‬           ‫أن تفسد الحسابات‬
    ‫منتصر فيها ولا مهزوم‪،‬‬              ‫وبالذات الأوكرانيين‬           ‫والتحليلات وتز ِّيف‬
   ‫مهما أعلنت هذه الدولة أو‬         ‫حيث تم احتلال بلادهم‬         ‫وجهات النظر أو تجعلنا‬
   ‫تلك أنها انتصرت‪ ،‬ومهما‬           ‫بالكامل من قبل القوات‬        ‫نضع تصورات ضعيفة‬
‫رفع هذا الطرف أو ذاك راية‬        ‫النازية‪ ،‬ورأى الأوكرانيون‬           ‫وغير متماسكة‪ .‬من‬
 ‫الاستسلام‪ ..‬لا منتصر ولا‬              ‫الأمرين إبان احتلال‬          ‫الصعب عزل المشاعر‬
  ‫مهزوم في الحروب‪ ..‬هناك‬              ‫النازي‪ .‬الروس أي ًضا‬    ‫والأحاسيس والاصطفافات‬
 ‫مهزومون فقط‪ ،‬لأن الحرب‬              ‫يعرفون ما هي الحرب‬       ‫في حالات الحروب ووقوع‬
      ‫تهزم الجميع وتخطف‬             ‫وما هي نتائجها المدمرة‬       ‫ضحايا وتدمير منشآت‬
   ‫منهم أبناءهم ودجاجاتهم‬             ‫لأنهم تعرضوا تقريبًا‬       ‫وبنى تحتية تم تشييدها‬
       ‫وطيورهم وأحبائهم‪.‬‬           ‫لإبادة عرقية أثناء هجوم‬      ‫على مدى عشرات ومئات‬
     ‫كل من حاربوا يعرفون‬             ‫النازيين‪ .‬وبالتالي‪ ،‬من‬     ‫السنين‪ .‬ولكن إذا توخينا‬
     ‫ذلك‪ ،‬عدا تلك الوحوش‬          ‫الغريب والعجيب أن نرى‬            ‫الدقة والمعايير وعزلنا‬
    ‫المفترسة المتعطشة دو ًما‬        ‫أجنحة وجيوب في دول‬        ‫تصوراتنا الذهنية وتمنياتنا‬
 ‫للدماء والحرق والهدم‪ ،‬تلك‬         ‫أخرى مشتاقة للحروب‪،‬‬              ‫عن الحقائق والأرقام‬
   ‫الوحوش التي ترفع دو ًما‬           ‫ومنحازة بشكل يعيدنا‬      ‫والقوى والموازين الحقيقية‪،‬‬
     ‫شعارات غريبة وعجيبة‬         ‫مجد ًدا إلى العصور البدائية‬        ‫فمن الممكن أن نصل‬
    ‫وتصنع دو ًما انقسامات‬        ‫حيث لا عقل ولا خبرة ولا‬          ‫إلى تصورات أقرب إلى‬
  ‫واصطفافات وتفسر العالم‬         ‫تجربة ولا تراكم ولا وعي‬        ‫الواقع‪ ،‬ونتمكن من رسم‬
  ‫و ُت َف ِّصله على مقاس عقولها‬  ‫بالخطر أو إحساس به‪ .‬من‬         ‫صورة واضحة وحقيقية‬
‫البدائية‪ ،‬مصالحها الرخيصة‬           ‫الغريب والمرعب والمثير‬         ‫لما يجري‪ ،‬تساعدنا في‬
                                                                ‫تحقيق مصالحنا وتحديد‬
           ‫وعماها الروحي‪.‬‬
   214   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224