Page 40 - nnn
P. 40

‫العـدد ‪47‬‬                     ‫‪38‬‬

                                                       ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬

     ‫فالصورة المتمثلة في التشبيه الحسي‪ ،‬دالَّة على‬     ‫هذه المجموعة‪ ،‬ومنها‪« :‬فتيات السوفييت أخبرنني‪،‬‬
        ‫السعي الى أداء تنقية الهواء وصعوبة ذلك‪.‬‬           ‫سلام على ماروشكا السيبرية‪ ،‬تركها السوفييت‬

      ‫سؤالان ُيطرحان‪ ،‬هنا‪ ،‬هما‪ :‬م َّم تنبغي «تنقية‬      ‫للذكرى» (راجع‪ :‬ص‪ ١٤٣‬و‪ ،)١٤٤‬الفتاة الروسية‬
                        ‫الهواء»؟ ومن يفعل ذلك؟‬         ‫«ماتريونا»‪ ،‬أو «ماتريوشا»‪ ،‬أو الأم الصغيرة‪ ،‬التي‬
                                                        ‫ُصنعت على مثالها ُدمى الشاي الروسية المتداخلة‪،‬‬
      ‫الشاعر الحديث ونجمة َف َنائه في الحبيب‪:‬‬          ‫المشهورة‪ .‬وإذ نعرف هذا نتبيَّن حاجة «السمكري»‪،‬‬
  ‫المجموعة ملأى بالدوا ِّل على الحاجة إلى «التنقية»‪،‬‬
 ‫وعلى ما يجب أن ُين َّقى‪ .‬من الدوا ِّل على تلك الحاجة‬      ‫وهو يؤ ِّدي مهمته الصعبة إلى المرأة المثال‪ ،‬الأم‬
   ‫قوله‪« :‬أرغب في أن أجعل الهواء للشاعر الحديث‬          ‫والحبيبة‪ ،‬ومن الدوا ِّل على ذلك خطابه لها‪« :‬كوني‬
‫سجنًا‪ /‬لعله يرى حكمة‪ /‬كحكمة الناظر إلى الحياة‬
‫من ثقب تابو ٍت في مقبرة» (ص‪ .)٤٨‬يفيد هذا القول‬            ‫أورفيوس‪ /‬ولا تنظري خلفك‪ /‬لأ َّن العالم خلفنا‬
                                                        ‫جحيم» (ص‪ .)١٤٦‬و»أورفيوس»‪ ،‬الذي يريدها أن‬
     ‫أن الشاعر الحديث هو من يجب أن يقوم بهذه‬             ‫تكونه‪ ،‬لتخلِّص «السمكر َّي» من العالم‪ /‬الجحيم‪،‬‬
‫المهمة‪ ،‬وهو في حالة يتج َّرد فيها من مغريات الحياة‬      ‫هو شاعر وموسيقي ونب ٌّي أسطوري أغريقي كان‬
‫الدنيا‪ ،‬فينطق بالحكمة الصافية‪ ،‬ويكون مثل العا ِل‪،‬‬
                                                          ‫يملك بشعره وعزفه وسحره فاعلية سحرية في‬
     ‫مكتشف الحقيقة العلمية‪ ،‬ويصرخ‪ ،‬كما صرخ‬                                             ‫العالم وكائناته‪.‬‬
‫«أرخميدس»‪« :‬في عراء الهواء‪ /‬وجدت لغز الحداثة»‬
                                                             ‫وكان لـ»ماروشكا» هذه دور في كشف س ِّره‬
    ‫(ص‪ .)٥٥‬وهكذا يتكشف لغز الحداثة‪ ،‬ويتح َّدد‬           ‫النبوي‪ ،‬فيخاطبها بقوله‪« :‬لا أحد إ َّلك‪ /‬فضح س َّر‬
   ‫مفهومها‪ ،‬وهو قول تلك الحكمة الفريدة‪ ،‬المتمثلة‬        ‫النب َّوة في الشيطان الذي أرتديه» (ص‪ ،)١٥٩‬وذلك‬
                                                        ‫يعود إلى الحب‪ ،‬يقول‪« :‬الحب‪ ،‬يا ماروشكا هو أن‬
      ‫«نجمة» تنجبها عينا الشاعر الرائيتان‪ ،‬يقول‪:‬‬       ‫أحيا سعي ًدا‪ /‬أن أترك هذا النهر يجري بمائه‪ /‬وفق‬
  ‫«كانت عيناه شم ًسا وقم ًرا‪ /‬يتواعدان على إنجاب‬        ‫هواه» (ص‪ ،)١٥٥‬فبعد أن تح ِّرره «ماروشكا» من‬
                                                         ‫الشيطان الذي يرتديه‪ ،‬وتعيده الى حقيقته‪ :‬النبي‪،‬‬
    ‫نجمة في مكان ما‪ /..‬في مكان يخدم الحقيقة لا‬         ‫ينطلق على هواه‪ ،‬ويجري بمائه‪ /‬بشعره كما يريد‪،‬‬
 ‫القصيدة» (ص‪ .)٩٤‬ويرقى بهذا النوع من الشعر‬             ‫فيكتب‪ ،‬كما يقول‪« :‬بالوزن الذي أريد»‪ ،‬ويبحث عن‬
‫إلى أن يكون وليد حالة وجد وفناء في الحبيب‪ ،‬الله‪،‬‬        ‫س ِّره النبوي لا عن لغة يط ِّوعها‪ ،‬كما يقول‪« :‬أبحث‬
                                                       ‫عنِّي‪ ،‬لاعن لغة أط ِّوعها‪ ،‬مثل ه ٍّر يدور حول وساد ٍة‬
     ‫تعيد قول ما قاله الحلاج من قبل‪« :‬ولكن يد َّي‬
  ‫جميلتان‪ُ /..‬تنبتان لله ثد ًيا‪ /‬أرضع منه‪ /‬وأقول‪:‬‬         ‫ألف دور ٍة كي ينام» (ص‪ ،)٨٦‬غير أ َّنه تمكن من‬
   ‫سبحاني» (ص‪ .)٣٠‬في هذه الحال يفتح الشاعر‬                                  ‫تطويع اللغة لتكون شعرية‪،‬‬
 ‫النبي «فاه‪ ،‬فيتناسل الكون ضو ًءا من رذاذ لعابه»‬
                                                                         ‫كما تفيد هذه الصورة الشعرية‬
     ‫(‪ ،)٢٤‬وتغدو روحه بسا ًطا‬                                           ‫المبتكرة‪ ،‬وكما تفيد نماذج أخرى‬
  ‫طائ ًرا «يغني للفرح‪ /‬على سطح‬
                                                                            ‫وردت‪ ،‬وسوف ترد في هذه‬
             ‫الخراب» (ص‪.)٧٤‬‬                                                                     ‫المقالة‪.‬‬
                ‫البلاد الخراب‪:‬‬
                                                                    ‫المه َّمة الصعبة‬
  ‫أما ما يجب أن ُين َّقى‪ ،‬وأن ُتقال‬
‫في شأنه تلك الحكمة‪ ،‬فكثير كثير‪،‬‬                                      ‫مه َّمة هذا «السمكري» صعبة‪،‬‬
                                                                    ‫وهو يدرك هذا‪ ،‬ويشير إلى هذه‬
  ‫نقتطف من الدوا ِّل عليه نماذج‪،‬‬
‫على سبيل المثال‪« :‬هل لديكم‪ ،‬أيها‬                                       ‫الصعوبة بصورة شعرية في‬
                                                                    ‫قوله‪« :‬محا ًطا بهواء ين ِّقي ذ َّراته‬
    ‫الأغبياء‪ ،‬وطن َاخر تختارونه‬                                      ‫كج َّد ٍة تن ِّقي عد ًسا» (ص‪،)١٤٨‬‬
  ‫كي تقتلوه وتأكلوه؟» (ص‪.)٩.‬‬

     ‫«الذين يشربون الغبار‪ /‬من‬
‫جرار تاريخهم الغبار» (ص‪.)٢٥‬‬
 ‫يلا َحظ الخطاب الهجائي المباشر‪:‬‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45