Page 47 - ثقافة قانونية - العدد الرابع - للنشر الإلكتروني
P. 47
ولو لم يكن لهم دخل في هذه الجريمة ،وحتى يكون على نحو يخل بوحدتها العضوية .وقد كشف هذا للقارئ العادي غير المتخصص في القانون ،والذي
عبرة لمن يعتبر ،فهم المسئولون عن ردعه وتوجيهه. العمل عن أحداث يستطيع القارئ أن يراها معبرة يصدر عن أهـم ناشر عربي رسمي وهـي الهيئة
وقد توقع القاتل ذلك ،ففر هاربًا من البلدة التي تقع عن المألوف من الروايات المرددة في هذا المجتمع، المصرية العامة للكتاب في إطار برنامج النشر العام
وهي مجمعة من شتاته ،لتؤلف منظومة الهدف منها والذي يستهدف جميع القراء الناطقين باللغة العربية
في إحدى المراكز الكبيرة بمحافظة سوهاج. التعبير بصدق عن علاقات اجتماعية مستقرة في
ذهبت عصبة الشر إلى منزل القاتل ،فلم يجدوه، في مصر والوطن العربي والمعارض الدولية.
فأحرقوا المنزل ،فاضطرت السيدات اللاتي كن هذا المجتمع في مطلع هذا القرن. وكتب المؤلف في مقدمة الكتاب :
موجودات به إلى الخـروج مرعوبات ،وكعادة أهل وإذ كان التطور هو ُس َّنة الكون ،فإن كاتب هذه
الصعيد لا يتعرضون للسيدات بالأذى ،وقد خرجوا السطور يأمل أن يؤدي هذا العمل إلى لفت الأنظار « كاتب هذه القصة كان يعمل في القضاء ،وقد
وفي قلوبهم البائسة الرغبة في الانتقام من كل إلى آلام هذا المجتمع العزيز على وطننا ،وأن يأخذ ساقه حظه السعيد أن ينتقل في مطلع الألفية الثانية
مسيحي ذكر ،وسائر أملاك المسيحيين من ذكور بالاعتبار في تضميد جراحه ،والتأسيس إلى عدالة للعمل في الصعيد ،وأن يتخصص في مجال القضاء
وإناث .فنطاق الجرائم ضد الأشخاص في هذه الحالة اجتماعية تصلح لأن ُت َق ِو َم اعوجاج عوامل تاريخية الجنائي .وقد شعر أنه انفتح له بهذا العمل طاقة
يقتصر على الرجال فحسب ،أما الجرائم ضد المال قديمة وآثار جغرافية رسمت خ ًّطا عمي ًقا من المعاناة من النور تكشف عن عال ٍم جدي ٍد لم يكن على معرفة
فهي تعم الرجال والنساء م ًعا .فلم يكن منهم إلا أن ُفرِ َض فر ًضا على هذا المجتمع ،وصاغ أنماط السلوك به .مجتم ٍع له قواعده وأحكامه وأخلاقياته التي
قاموا بالاعتداء على كل مسيحي يجدونه أمامهم في بما فيها السلوك المتجاوز للقانون بخصائصه المتميزة يتميز بها عن المجتمعات التي اعتاد الحياة فيها.
البلده .وإحراق كل ممتلكاتهم من محلات ومتاجر وإذ كانت مواجهة أي مجتمع جديد تترك في نفس
وأجزخانات ،فيبدأوا أو ًل بتكسير زجاجها ،ثم بعثرة طل ًبا للعدالة في سائر أرجاء وطننا الحبيب «. صاحبها درجة من الاستغراب أو الاستهجان ،فإن
محتوياتها ،وإتلاف ما تبقى منها ،وأخي ًرا إحراقها بعد كاتب هـذه السطور بمجرد أن اندمج في العمل،
ذلك حتى لا يستفيد منها من بعد .وفي خلال ذلك الوحدة الوطنية في أدب القاضي واختلط بمحيطه الضيق ،شعر بالانجذاب إلى هذا
كانت تأتي أعمال الاعتداء العشوائي على المسيحيين خصص القاضي المؤلف فصلا كاملا عن الوحدة المجتمع ،بل والتعاطف مع قضاياه ،وأشخاصه .وخلال
دون المسيحيات التي يطلب إليهن مغادرة المكان قبل فترة عمله حاول جاه ًدا أن يستوعب خصوصياته
البدء بتنفيذ المخطط الإجرامي .وقد ترتب على ذلك الوطنية في صعيد مصر فقال : الاجتماعية ،والقواعد الحاكمة للعلاقات فيه ،والدور
قتل ثمانية عشر رج ًل لم يكن لأي منهم أي دخل بهذه « كانت القضية تتعلق بحالة قتل جماعي لعدد الاجتماعي الذي يقوم به كل محور من محاور التأثير،
الجريمة .لم يكن في وجدانهم إلا منطق واحد حاصله 19إنسا ًنا .كانت أحداثها قد وقعت في مركز إحدى وكيفية التفاعل بينهم ،وأن يعرض إلى آلامهم وآمالهم،
أن كل مسيحي يجب أن يكون مسئو ًل عن هذه الفعلة محافظات سوهاج .وتتلخص في أن شا ّبًا مسل ًما تزوج محاو ًل استخلاص تفسي ٍر معقول لأنماط السلوك
باعتبار انتمائه إلى دين مرتكب هذه الجريمة .وهكذا من فتاة مسيحية اعتنقت الإسلام .وطبيعي أن هذه
فقد تحكمت الوحشية وشهوة الانتقام دون اعتبار الزيجة تتم دون إذن من أهلها ،وبغير رضائهم ،فهي الاجتماعي.
من وجهة نظر أهلها تقيم علاقة غير شرعية ،كما وقد اختزن كاتب هذه السطور كل هذه الذكريات
لأية قيمة إنسانية أو مسئولية أخلاقية. أنها ارتدت عن دينها ،وهو محظور في معظم الأديان في عقله قرابة عقدين من الزمان ،وراح يتأمل فيها
قدمت النيابة العامة المتهمين للمحاكمة وهم عدد السماوية .وبديهي أن هذا الفعل المشين –من وجهة ويحللها ،حتى شعر أنه مهيأ لكتابتها على نحو يعكس
خمسة وعشرين مته ًما مسل ًما والمسيحي الذي بادر نظرهم -يجلب عليهم العار والانكسار في أوساط رغبة في التحليل أكثر مما يعكس رغبة في الرواية
بالقتل ،بعد وقـوع الجـريمـة ،كـان ذلـك قبل أربع مجتمعهم الديني .فما كان من أخيها إلا أن أطلق والسرد ،محاو ًل أن يكشف غيابة هذا المجتمع في
سنوات ،كان المقبوض عليهم منهم أحد عشر مته ًما خمس طلقات نارية من مسدسه غير المرخص على
فقط ،هم عصب هذه الجريمة الذين قاموا بأكبر هذا الـزوج فـأرداه قتي ًل ثم هرب .شاع أمر هذه أعماقه ،وأن يظهر الجانب الإنساني فيه.
الأدوار ،والباقي هاربون ،فقدموا غائبين ،كما قدم الجريمة في البلدة ،وسار فيها كالنار في الهشيم، وإذا كانت الأحداث التي يرويها في القصة منسوبة
الشاب المسيحي القاتل غياب ًّيا لهروبه ،وأثناء نظر فعزم أهل القتيل ،وعائلته ،وأصدقاؤه وجيرانه على إلى زملائه في العمل ،فإن من المتعين القول بأن
المحاكمة ،حدث أن تصالح الجميع ،وتنازلوا أمام الانتقام لهذا الحادث الذي رأوه استهتا ًرا بمكانتهم هذه الأحداث لا تخصهم بالضرورة ،وإنما هي ثمرة
بعضهم البعض ،وحرروا محاضر تصالح أمام الشهر في البلدة .إلا أن خيالهم السقيم صور لهم أن الانتقام لروايات عديدة من مصادر مختلفة الغالب أن تكون
العقاري ،وعند نظر المحكمة القضية شهد شهود لا يكون إلا من كافة المسيحيين المحيطين بهذا الرجل بعيدة عنهم ،ولا علاقة لهم بها ،وإنما جرى نسجها
الواقعة بما يناقض شهاداتهم السابقة ،فلم ير أحد منسوبة إليهم حتى لا يتسع نطاق شخوص القصة
منهم أفعال القتل ،وأنكروا ما شهدوا به من قبل،
وأنهم حضروا بعد تمام الأحداث فأخبرهم مجهولون
بما حدث فشهدوا به ،إلا أنهم غير متأكدين من ذلك.
ثم حضر القاتل الأول مسيحي الديانة ،وأقر
بالصلح كذلك في مواجهة المحكمة ،مثلما أقر سائر
المتهمين بالتصالح معه ،والتنازل عن جريمة القتل
التي ارتكبها .فجاءت الأحكام على الفور بعد تلك
الشهادات بالبراءة ،إلا أنها قضت بالإدانة على
الغائبين منهم .ولمـا كـان القانون المصري يقضي
بسقوط الأحكام الجنائية الغيابية بمجرد حضور
المتهم ،فقد تتالى حضورهم واح ًدا تلو الآخر ،ليتقدم
كل منهم على ِحدة لإعادة محاكمته .كانت المحكمة
في كل حالة تقضي بالبراءة على من حضر منهم،
سواء اقتدا ًء بسابق قضائها على المساهمين الرئيسين
السابق براءتهم أو بالنظر لضألة دورهم الإجرامي
وتمسكهم بالصلح الذي دأب شهود الواقعة على
الحضور لتوكيده ،وتأكيد حالة السلام التي تفشت
بين الطرفين« .
47