Page 116 - مجلة تنوير - العدد الخامس
P. 116

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫مـن إلهامـات مـن المسـائل الغامضـة المسـتعصية‬           ‫كان أحـد أط ارفهـا الشـيخ أميـن الخولـي الـذي كان‬
‫علـى البحـث التجريبـي‪ ،‬أدرك سـويف هـذه المسـألة‬         ‫صاحـب الدعـوة المبكـرة إلـى د ارسـة البلاغـة العربيـة‬
‫وحـاول أن يعلـل الإبـداع تعليـا علميـا باسـتخدام‬        ‫والنـص الأدبـي مـن منظـور نفسـي ممـا يعنـي أن‬
‫الاسـتخبا ارت‪ .‬أمـا عـن موقـع الكتـاب – يعنـي بحـث‬      ‫هاجـس الانفتـاح العلمـي بيـن العلـوم والتخصصـات‬
‫الإبـداع ‪ -‬لـدى أهـل العلـم فـي مصـر وفـي غيرهـا‪،‬‬       ‫المتقاربـة والمتباينـة كان حاضـ ار وقويـا سـواء أكان‬
‫فإنـه اسـترعى اهتمـام رجـال الأدب ورجـال النقـد‬         ‫فـي قسـم اللغـة العربيـة حيـث أميـن الخولـي‪ ،‬أم كان‬
‫الأدبـي‪ ،‬كمـا اسـترعى اهتمـام علمـاء النفـس وعلمـاء‬     ‫فـي قسـم الفلسـفة حيـث كان يوسـف مـ ارد وتوجهـه‬
                                                        ‫العلمـي نحـو ربـط البحـث النفسـي بالتجريـب مـن‬
                          ‫الاجتمـاع والفلاسـفة”‪.‬‬        ‫ناحيـة‪ ،‬وبالبعـد الاجتماعـي مـن ناحيـة أخـرى‪.‬‬
                                                        ‫ولذلـك اسـتجاب سـويف لرغبـة أسـتاذه فـي د ارسـة‬
‫ويشترك م ارد وسويف في الإشارة إلى أهمية العلم‬           ‫الجمـال الأدبـي مـن منظـور تجريبـي‪ .‬ويعنـي هذا أن‬
‫والفـن فـي تحقيـق التكامـل النفسـي والاجتماعـي‪.‬‬         ‫مصطفـى سـويف حيـن ارد هـذا الطريـق كان طلعـة‬
‫فقـد أشـار سـويف ‪ -‬وهـو يتحـدث عـن التكيـف مـع‬          ‫وحـده‪ ،‬وكان يمضـي فيـه وهـو يعلـم أنـه مؤسـس‬
‫متغيـ ارت الواقـع ‪ -‬إلـى التكامـل الاجتماعـي‪ .‬فمـا‬      ‫لفكـر علمـي ونهـج تجريبـي وليـد‪ ،‬وأنـه حيـن نشـر‬
‫علاقـة التكامـل الاجتماعـي بالبحـث فـي الإبـداع‬         ‫بحثـه ‪1951‬م كان ينشـر علمـا جديـدا فـي مصـر‬
                                                        ‫وفـي غيرهـا مـن بـاد العلـم المتقـدم‪ .‬وأنـه يمضـي‬
                            ‫علـى أسـس نفسـية؟‬           ‫فـي طريـق لـم يكثـر فيـه السـائرون نيامـا أو أيقاظـا‪.‬‬

‫بـدأ مصطفـى سـويف حديثـه عـن مبـر ارت بحثـه‪،‬‬            ‫ويـدرك يوسـف مـ ارد أن مصطفـى سـويف تفـرد‬
‫بمـا سـماه أزمـة الحضـارة المعاصـرة وأن هـذه الأزمـة‬    ‫بهـذا الإنجـاز فيثنـي عليـه أولا ثـم يعـدد مـا تفـرد بـه‬
‫تهـدد التكامـل الاجتماعـي الـذي يعـد الأسـاس‬            ‫عملـه‪ ،‬ويشـير إلـى موقعـه فـي خريطـة العلـم فـي‬
‫الـذي تقـوم عليـه الحيـاة فـي كل المجتمعـات عبـر‬        ‫مصـر‪ .‬أمـا عـن الثنـاء فيقـول مـ ارد‪« :‬أود أن أقـرر‬
‫الأزمـان‪ .‬ومـرد الإحسـاس بهـذه الأزمـة هـو الخـوف‬       ‫أن المؤلـف قـد أعـد نفسـه أحسـن إعـداد للقيـام بهـذا‬
‫مـن أفـول نمـط الحيـاة التـي اعتـاد عليهـا النـاس كل‬    ‫البحث‪ .‬إذ إنه جمع بين ثقافة فلسفية عميقة وثقافة‬
‫يـوم‪ ،‬وبـزوغ نمـط جديـد ليـس واضحـا ولا مألوفـا‪.‬‬        ‫أدبيـة اجتماعيـة واسـعة‪ ..‬هـذا فضـا عمـا يمتـاز بـه‬
‫وموقـف النـاس مـن هـذا القلـق الوجـودي لـه وجهـان‬       ‫أسـلوبه الفكـري مـن نظـام ووضـوح وتدقيـق‪ ،‬كل ذلـك‬
‫الأول يـرى القديـم ينهـار ولا يـرى الجديـد ينشـأ جنبـا‬
‫لجنـب مـع زوال القديـم‪ ،‬والوجـه الثانـي يـرى الانهيـار‬                 ‫فـي ضـوء منهـج تجريبـي موجـه»‪.‬‬
‫ويـرى كيـف ينسـاب بعـض أجـ ازء القديـم فـي الجديـد‬
                                                        ‫وأمـا عـن العمـل وأهميتـه فيقـول مـ ارد‪“ :‬إن الفـن‬
                              ‫ويسـهم فـي بنائـه‪.‬‬        ‫مـن حيـث هـو ظاهـرة اجتماعيـة لا يقـل أهميـة عـن‬
                                                        ‫العلـم ولا عـن اللغـة فـي تحقيـق معنـى التكامـل‬
‫وفـي مواجهـة هـذه الأزمـة‪ ،‬يـرى سـويف ضـرورة‬            ‫النفسـي الاجتماعـي‪ .‬وهـذ مـا آمـن بـه سـويف وعمـل‬
‫إعـادة النظـر فـي التكامـل الاجتماعـي وفـي إعـادة‬       ‫علـى تحقيقـه‪ ،‬فأبـرز أثـر العامـل الاجتماعـي فـي‬
‫بنائـه علـى أسـس جديـدة‪ .‬لذلـك يعتقـد أن بحثـه فـي‬      ‫تكويـن الإطـار الـذي يضـم نشـاط العبقـري ويوجهـه‪،‬‬
‫“الأسـس النفسـية للإبـداع” يلقـي بعـض النـور فـي‬        ‫وفـي إحـداث الصـ ارع النفسـي الـذي سـيتمخض عـن‬
‫هـذا السـبيل‪ ،‬وفـي تعبيـد الطريـق أمـام الفنـان ليحـدد‬  ‫الإلهـام والإبـداع الفنـي‪ .‬ولمـا كان الإبـداع ومـا يتخلله‬

                       ‫موقفـه مـن الواقـع الحـي‪.‬‬

‫ثـم يقـول‪« :‬ولقـد اسـتعانت الإنسـانية منـذ القـدم‬

                                                        ‫‪116‬‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121