Page 67 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 67

‫د‪ .‬معتز سيد عبد الله‬                                                    ‫انتصار أكتوبر والوعي الوطني‬

‫كما أن التحديات الاقتصادية تتطلب جهًدا جماعًيا في الإنتاج‬           ‫ُيَعّد انتصار أكتوبر ‪ 1973‬علامة فارقة في تاريخ مصر والأمة‬
‫والابتكار‪ ،‬والتحديات البيئية والأمنية تحتاج وعًيا بدور كل فرد في‬    ‫العربية بأسرها‪ .‬فلم يكن مجرد حدث عسكري تمكنت فيه القوات‬
‫حماية الوطن‪ .‬وإذا كان جيل أكتوبر قد حمل السلاح وخاض معركة‬           ‫المسلحة المصرية من تحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس‪ ،‬بل‬
‫التحرير‪ ،‬فإن جيل اليوم يحمل مسؤولية البناء والتنمية والتصدي‬         ‫كان نقطة تحول في الوعي الجمعي للأمة كلها‪ .‬لقد جّسد استعادة‬
                                                                    ‫الكرامة الوطنية وأكد قدرة المصريين على تجاوز المحن والوقوف‬
                                      ‫لمحاولات التشويه والتفكيك‪.‬‬    ‫مجدًدا بثقة وإصرار‪ .‬فقد جاء هذا الانتصار بعد ست سنوات فقط من‬
‫إن وعي الشباب بانتصارات أكتوبر يعزز لديهم الانتماء والولاء‪،‬‬         ‫نكسة ‪ 1967‬التي تركت جرًحا عميًقا في الوجدان المصري‪،‬‬
‫ويؤكد لهم أن المصريين شعب متماسك وقوي‪ ،‬قادر على تجاوز‬               ‫وأثارت شكوًكا حول القدرة على استرداد الأرض‪ .‬لكن التخطيط‬
‫المحن عبر تاريخه الطويل‪ .‬وحين يدرك الشاب أن آباءه وأجداده‬           ‫الدقيق والإرادة الصلبة والتضحيات الهائلة للشعب والجيش مًعا أثبتت‬
‫غّيروا الإستراتيجيات العسكرية القائمة بفضل إصرارهم ووحدتهم‪،‬‬         ‫أن مصر لا تنكسر‪ ،‬وأن روحها الوطنية قادرة على صنع المستحيل‪.‬‬
‫سيفهم أن دوره في حماية الوطن لا يقل أهمية عن دور المقاتل في‬         ‫لم يكن العبور قراًر ا انفعالًيا أو متسرًعا‪ ،‬بل ثمرة لإعادة بناء القوات‬
‫القوات المسلحة‪ .‬فالدفاع عن مصر اليوم لا يكون بالسلاح وحده‪،‬‬          ‫المسلحة وتطوير قدراتها القتالية‪ ،‬وتدريب رجالاتها بكفاءة عالية‪.‬‬
‫وإنما أيًضا بالعلم والبحث والابتكار والإنتاج والعمل الجاد الذي‬      ‫وإلى جانب ذلك‪ ،‬وقف الشعب المصري بكل فئاته خلف جيشه‪،‬‬
‫يحّصن الدولة من الداخل‪ .‬لقد أثبتت حرب أكتوبر أن المعركة‬             ‫فساهم المواطنون في دعم المجهود الحربي عبر العمل والإنتاج‬
‫الحقيقية تبدأ من داخل الإنسان‪ :‬من وعيه وإيمانه وثقته بنفسه‪ .‬هذا ما‬  ‫والتبرع بالمال والدم‪ .‬كما قام الإعلام والتعليم والفن والثقافة بدور‬
‫يجب أن يستوعبه الشباب المصري اليوم‪ :‬إن مواجهة التحديات‬              ‫مهم في إعادة بث الأمل وتعزيز الروح الوطنية‪ .‬وهكذا غدا النصر‬
‫الداخلية والخارجية تحتاج قبل كل شيء إلى وعي راسخ بالهوية‬            ‫ملحمة وطنية متكاملة‪ ،‬أظهرت أن الأمة حين تتوحد خلف هدفها‬
‫الوطنية‪ ،‬وإدراك أن مصر تواجه محاولات مستمرة للنيل من‬                ‫تستطيع أن تكتب فصلا جديًدا من التاريخ‪ .‬فقد تمثل الأثر الأعمق‬
‫استقرارها‪ .‬فالوعي الوطني ليس مشاعر عاطفية فحسب‪ ،‬بل إدراكا‬           ‫لانتصارات أكتوبر في الوعي الوطني الذي توّلد لدى المصريين بعد‬
‫عميقا بالمسؤولية الفردية والجماعية‪ ،‬وقدرة على التمييز بين الحقائق‬   ‫تلك اللحظة الفارقة‪ .‬فالشعب الذي عاش الانكسار ثم حقق الانتصار‬
‫والشائعات‪ ،‬واستعدادا للتضحية بالجهد والوقت والمهارات من أجل‬         ‫أدرك أن الإرادة أقوى من اليأس‪ ،‬وأن الوحدة الوطنية هي السبيل‬
                                                                    ‫الحقيقي لحماية الوطن‪ .‬هذا الدرس ما زال حًيا حتى اليوم؛ إذ تحتاج‬
                                                    ‫رفعة الوطن‪.‬‬     ‫الأجيال الجديدة‪ ،‬وعلى رأسها الشباب‪ ،‬إلى استحضار روح أكتوبر‬
                                                                    ‫في حياتهم اليومية‪ .‬فالتحديات في القرن الحادي والعشرين لم تعد‬
                                                                    ‫مقتصرة على التهديدات العسكرية التقليدية‪ ،‬بل امتدت لتشمل مخاطر‬
                                                                    ‫اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وإعلامية‪ ،‬فضاًل عن التحديات‬

                                                                           ‫البيئية المرتبطة بالتغير المناخي والتحولات الرقمية السريعة‪.‬‬
                                                                    ‫والشباب الذين لم يشهدوا أكتوبر بأعينهم مطالبون بأن يعرفوا‬
                                                                    ‫تفاصيله وأبعاده‪ ،‬لا من باب الفخر التاريخي فحسب‪ ،‬بل من باب‬
                                                                    ‫استلهام الدروس واستيعاب الرسائل‪ .‬فالمعركة اليوم مختلفة في‬
                                                                    ‫أدواتها لكنها لا تقل خطورة؛ إذ تسعى قوى معادية إلى النيل من‬
                                                                    ‫استقرار مصر عبر بث الشائعات وزرع الفتن واستغلال منصات‬

                                                                                                         ‫التواصل للتأثير على العقول‪.‬‬

‫‪63‬‬
   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72