Page 69 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 69
أ.د .محمد أمين المفتي انتصارات ٦أكتوبر ..وفرِح ت مصر.
وتابعت كل ما يحدث على الجبهة من بطولات قواتنا المسلحة وتكبيد منذ الأزل ،ومصر تخوض حروبا ضد كل من يحاول أن يعتدي على
العدو خسائر فادحة في العتاد والأرواح .لكن كنا في حيرة من حالة أرضها؛ لأنها كانت ،ولا تزال ،تعتبر أن الأرض عرض لا يمكن
اللاسلم واللاحرب التي نعيشها؛ فمصر كلها تريد الحرب وتحرير لبشر أن يعتدي عليه .ويمضي الزمان حتى صباح يوم ٥يونيو عام
الأرض ،ولكن ما يجري من أحداث وما نسمعه من أخبار وبيانات لا ١٩٦٧؛ حيث بدأ عدوان الكيان الإسرائيلي على مصر بضرب جميع
يدل على ما تريده مصر .مرت أيام يكتنفها الغموض لا ندري ماذا مطاراتها وتدمير ما كان عليها من طائرات ،وصاحب ذلك هجومي
يحدث ولا ماذا سوف يحدث .مناورات لجيشنا بين الحين والآخر بريي على سيناء .صباح ذلك اليوم كنت أستعد للذهاب إلى عملي في
على الجبهة ،ولكن لا شيء يحدث ،الجنود كانوا يظهرون في حالة الجامعة ،ولكني شعرت بهدوء خارج المنزل لم أعتده من قبل،
استرخاء ،وإعلان في الصحف عن عمرة للضباط .وخبر عن تلف فخرجت إلى الشرفة فلم أجد الحركة ولا الضجيج الذي أعتاد عليه
كميات كبيرة من مخزون القمح؛ بسبب الأمطار والرطوبة كانت صباح كل يوم ،وجاء صوت المذياع ببيانات وأخبار علمت منها عن
الأحداث محيرة ،وتؤكد أن مصر ليست مستعدة للقيام بعمل عسكري. العدوان الغاشم المفاجئ على مصر .بدأت محطات الإذاعة المصرية
لم نكن ندري أن كل هذا كان خداعا إستراتيجيا من القيادة السياسية. ببث بيانات فهمنا منها أن الجيش المصري على مشارف تل أبيب بعد
وجاء صباح ٦أكتوبر ١٩٧٣وكل شيء كالمعتاد .بعد بضع ساعات أن أسقطنا أعدادا كبيرة من طائرات العدو ،وفرحت أنا وشباب الحي
قطعت الإذاعة بثها ،وصدر أول بيان من القيادة العامة للقوات الشعبي (شبرا) الذي كنت أقطن فيه .نزلنا إلى الطرقات نهتف لمصر
المسلحة بعبور قواتنا المسلحة للقناة ،وفي ٦ساعات سقط خط ولخير أجناد الأرض ،وفي اليوم التالي ذهبنا إلى أحد معسكرات
بارليف وتم الاستيلاء عليه .ودارت معارك شرسة كان النصر فيها الحرس الوطني للمشاركة ،وبعد عدة أيام تلقينا فيها بعض التدريبات
حليف مصر ،وتوقف إطلاق النيران بعد مفاوضات واستمرت والإسعافات الأولية ُكلفنا بحراسة الحي الذي نقطن فيه .وحدث في
المفاوضات إلى أن عادت سيناء كلها لنا .وانتصرنا في ٦أكتوبر إحدى اُألمسيات أن وجدنا عربة تحمل رجلين بملابس عسكرية
ممزقة ،ويبدو عليهم الإرهاق الشديد ،وتحدثا باختصار شديد؛ فعلمنا
،١٩٧٣وَفِر َحت مصر. بالحقيقة الصادمة وما كانت تمر عدة ساعات حتي سمعنا خطاب
التنحي الذي أصابنا بذهول .هبت مصر بجميع فئاتها وأطيافها
برفض الهزيمة ومطالبة رئيس الجمهورية بالعدول عن التنحي .وفي
اليوم التالي علمنا من جلسة طارئة في مجلس الأمة أنه عدل عن
قراره ،وأن مصر سوف تواصل بنفس طويل النضال لتحرير
الأرض .كان في كل بيت شهيد أو مصاب أو مفقود ،ولكن شعب
مصر لم ييأس أو يستسلم وأقسمنا إما النصر واستعادة الأرض أو
الشهادة .لم تمض فترة طويلة حتى استدعيت أنا وجيلي من الشباب
للتجنيد ،وبدأت حرب الاستنزاف التي كانت ملحمة بطولة وفداء تعبر
عن حب شباب مصر لوطنهم .وأصبت في قدمي؛ فتم نقلي لخلف
خطوط المواجهة،
ولكني استمررت أخدم في القوات المسلحة بقدر ما سمحت لي حالة
الإصابة بعد أن شفيت بإذن الله .لكن لم أستمر حتى أشترك في
حرب ٦أكتوبر؛ حيث تم تسريحي .عدت إلى عملي المدني،
65

