Page 68 - مجلة فرحة مصر بعد النصر
P. 68

‫ولكي يصبح هذا الهدف واقًعا ملموًسا‪ ،‬يجب إدماج التفكير النقدي في‬   ‫إن استدعاء دروس أكتوبر ضرورة وطنية‪ ،‬ليس فقط للاحتفال‬
‫المناهج التعليمية منذ المراحل المبكرة‪ ،‬بحيث يتعلم الطالب كيف‬      ‫بذكرى النصر‪ ،‬وإنما لبناء جدار معنوي يحمي الأجيال من محاولات‬
‫يحلل المعلومة ويتحقق من صحتها بداًل من الاكتفاء بالحفظ والتلقين‪.‬‬  ‫التلاعب بالعقول‪ .‬وعلى المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية أن‬
‫ويمكن تنظيم برامج تدريب وورش عمل للشباب في الجامعات‬               ‫تؤدي دورها في ترسيخ هذه القيم‪ ،‬من خلال عرض الانتصار‬
‫ومراكز الشباب حول مواجهة الشائعات وفحص الأخبار الرقمية‬            ‫بصورة واقعية تربط الماضي بالحاضر‪ ،‬وتؤكد أن الملحمة لم تكن‬
‫والتعامل الواعي مع الإعلام الجديد‪ .‬ومن الضروري أيًضا إطلاق‬        ‫عسكرية فحسب‪ ،‬بل نموذًجا شاماًل لإرادة الأمة‪ .‬كذلك‪ ،‬على الدولة‬
‫منصات إعلامية شبابية تفاعلية تعتمد على الشفافية والمصداقية‪،‬‬       ‫أن تفتح المجال أمام الشباب للمشاركة في التنمية وصناعة القرار‪،‬‬
‫وتشجع الشباب على إنتاج محتوى مضاد للشائعات بأسلوب عصري‬            ‫ليشعروا أنهم امتداد طبيعي لذلك الجيل الذي صنع النصر‪ .‬فاستدعاء‬
‫قريب من لغتهم‪ .‬كما يعد تشجيع البحث العلمي والابتكار وسيلة‬         ‫روح أكتوبر يعد وسيلة لتنمية الوعي الوطني لدى الشباب من خلال‬
‫أساسية لتعزيز ثقة الشباب في قدراتهم‪ ،‬وإدراك أن مواجهة التحديات‬    ‫الربط المباشر بين إنجازات الماضي وتحديات الحاضر‪ .‬فقد أثبت‬
‫تحتاج إلى حلول عملية مستندة إلى العلم لا العاطفة وحدها‪ .‬وإلى‬      ‫انتصار ‪ 1973‬أن الوحدة الوطنية والإرادة الشعبية والوعي الجمعي‬
‫جانب ذلك‪ ،‬يجب غرس ثقافة الحوار وقبول الاختلاف داخل الأسرة‬         ‫قادرة على قلب موازين القوى رغم الفوارق في الإمكانات‪ .‬وهذه‬
‫والمدارس والجامعات بما يوسع مدارك الشباب‪ ،‬ويحصنهم من‬              ‫الروح يجب أن تتحول إلى واقع عملي يساعد الشباب في مواجهة‬
‫الخطاب المتطرف أو الموجه‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬فإن تفعيل القدوة الوطنية‬      ‫حروب الجيل الرابع والخامس والسادس؛ حيث لم تعد المعارك‬
‫المعاصرة من خلال إبراز نماذج ناجحة من الشباب المصري في‬            ‫تخاض بالسلاح التقليدي فقط‪ ،‬بل باتت تستهدف العقول عبر‬
‫مجالات مختلفة يساعد الأقران على الإيمان بأن بإمكانهم المشاركة‬     ‫الشائعات وتزييف الحقائق وغسيل الدماغ‪ .‬لقد أصبحت الحروب‬
‫في نهضة الوطن‪ ،‬كما شارك جيل أكتوبر في تحريره‪ .‬وبهذا تصبح‬          ‫المعاصرة تستهدف الوعي قبل الأوطان‪ ،‬وتسعى إلى تفتيت الهوية‬
‫هذه الآليات مجتمعة وسيلة لتحويل روح أكتوبر من مجرد ذكرى‬           ‫وزعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته‪ .‬فلم يعد السلاح‬
‫تاريخية إلى برنامج عمل وطني شامل يربط بين ماضي الانتصارات‬         ‫التقليدي هو الأداة الأساسية‪ ،‬بل صارت المعلومات المضللة‬
‫وحاضر التحديات‪ ،‬ويمنح الشباب القدرة على حماية وطنهم بعقول‬         ‫والشائعات أدوات أخطر وأكثر تأثيًر ا‪ .‬وهنا تبرز أهمية بناء وعي‬
‫واعية وقلوب مخلصة وأياٍد عاملة‪ .‬وهكذا تظل أكتوبر ليست صفحة‬        ‫نقدي لدى الشباب‪ ،‬بحيث يتحولون من متلقين سلبيين إلى محللين‬
                                                                  ‫ناقدين يفحصون المعلومات قبل تبنيها أو نشرها‪ .‬التفكير النقدي‬
                      ‫من الماضي فحسب‪ ،‬بل نبراًسا يلهم الحاضر‪.‬‬     ‫يصبح في هذا السياق سلاًحا لا يقل أهمية عن البندقية في حرب‬

                                                                               ‫أكتوبر‪ ،‬فهو يحّصن العقول ضد حملات غسيل الدماغ‪.‬‬
                                                                  ‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬لا بد من تكامل الجهود بين مؤسسات الأسرة‬
                                                                  ‫والمدرسة والجامعة والإعلام ومؤسسات الثقافة والمؤسسات الدينية‬
                                                                  ‫(المسجد والكنيسة)‪ ،‬في تدريب الشباب على مواجهة المخاطر‬
                                                                  ‫والتحديات وتنمية وعيه الوطني‪ ،‬وذلك من خلال تنمية مهاراتهم‬
                                                                  ‫الخاصة بالتفكير الابتكاري والنقدي والتحليلي والمقارنة والاستنتاج‪،‬‬
                                                                  ‫وتشجيعهم على الحوار وطرح الأسئلة‪ ،‬وتعزيز ثقتهم بقدرتهم على‬
                                                                  ‫حماية الوطن عبر المشاركة الواعية في العمل العام‪ .‬فعندما يدرك‬
                                                                  ‫الشاب أنه امتداد لجيل صنع النصر‪ ،‬وإعادة كرامة الأمة ومجدها‪،‬‬

                                                                              ‫تتشكل لديه قناعة راسخة بأن دوره يبدأ من عقله وفكره‪.‬‬

‫‪64‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73