Page 8 - 777777المنظور السياسي
P. 8
مـن هنـا ،فـإن فهـم أبعـاد التنشـئة الاجتماعيـة والانتبـاه •التنشئة الاجتماعية السياسية:
إلـى محدداتهـا ُيعـد مدخـ ًا ضرو ًرّيـا لفهـم التنشـئة
السياسـية ،باعتبـار -هـذه الأخيـرة -جـزًءا لا يتجـ أز أوًل :التنشئة الاجتماعية وتعريفها:
مـن الأولـى ،إذ إن الظاهـرة السياسـية فـي جوهرهـا هـي
ظاهـرة اجتماعيـة ،والإنسـان السياسـي هـو فـي الأسـاس تشـير التنشـئة الاجتماعيـة السياسـية ،بوجـه عـام،
إلـى عمليـة تفاعـل مسـتمر بيـن الفـرد والمجتمـع الـذي
إنسـان اجتماعـي. ينتمـي إليـه ،ومـن خلالهـا يكتسـب الفـرد القيـم والعـادات
والأفـكار السـائدة التـي تمّكنـه مـن بلـورة سـلوكياته
وتُعـرف التنشـئة الاجتماعيـة فـي الأدبيـات العلميـة اليوميـة ،وتأهيلـه لأداء الأدوار المطلوبـة منـه بوصفـه
بمصطلحـات متعـددة ،منهـا :التطبيـع الاجتماعـي، عضـًوا فاعـ ًا فـي المجتمـع ،الأمـر الـذي يجعلـه قـادًار
التثقيـف ( ،)Acculturationأو التلقيـن الثقافـي علـى المسـاهمة بشـكل تفاعلـي فـي مسـا ارت التنميـة
( ،)Indoctrinationوهـو المصطلـح الـذي يسـتخدمه
علمـاء الأنثروبولوجيـا الذيـن يـرون أن التحـدي الجوهـري الاجتماعيـة والاقتصاديـة والسياسـية.
الـذي تواجهـه الحيـاة الاجتماعيـة يتمثـل فـي كيفيـة
المحافظـة علـى الأنمـاط الثقافيـة المميـزة ،وضمـان وُيعـد تماسـك أي مجتمـع رهيًنـا بمـدى فهـم أفـ ارده لقيمـه
ومعاييره المشـتركة ،وهو فهم لا ُيولد مع الإنسـان ،وإنما
اسـتم اررية نقلهـا عبـر الأجيـال المتعاقبـة. ُيكتسـب تدريجًّيـا خـال م ارحـل حياتـه المختلفـة .ومـن
هـذا المنطلـق ،تُعـد التنشـئة الاجتماعيـة الآليـة الأساسـية
•التكوين والتكيف والاندماج: لتكويـن الإنسـان السياسـي ،إذ تُشـكل أحـد المحـددات
الرئيسـية للتنشـئة السياسـية؛ لأن الإنسـان ُيبنـى ويتكـّون
التنشـئة الاجتماعيـة السياسـية ،فـي أبسـط معانيهـا ،هـي اجتماعًّيـا قبـل أن يخـوض غمـار الممارسـة السياسـية
العمليـة التـي ُيصبـح مـن خلالهـا الإنسـان كائًنـا اجتماعًّيـا
فاعـ ًا .وبعبـارة أخـرى ،فهـي الكيفيـة التـي يتكيـف بهـا التـي تهـدف لتحقيـق رؤيـة الدولـة وطموحاتهـا.
الفـرد مـع خصائـص وثقافـة المجتمـع الـذي ينتمـي إليـه،
بحيـث يكتسـب هويتـه الثقافيـة والاجتماعيـة ،ويندمـج فيـه وقـد أولـى علمـاء الاجتمـاع والنفـس -بـل والفلاسـفة
الأوائـل مثـل أفلاطـون وأرسـطو -اهتما ًمـا بال ًغـا بعمليـة
بصـورة تجعلـه متميـًاز عـن أفـ ارد المجتمعـات الأخـرى. التعليـم والتلقيـن ونقـل التـ ارث الاجتماعـي والسياسـي
مـن جيـل إلـى آخـر ،واعتبـروا هـذه الوظيفـة مـن صميـم
ويعـّرف كل مـن «فريـدرك» و»جي ارلـد» التنشـئة وظائـف الدولـة .ففـي حيـن رّكـز علمـاء الاجتمـاع علـى
الاجتماعيـة بأنهـا «العمليـة التـي مـن خلالهـا يتعلـم الفـرد البيئـة الاجتماعيـة بوصفهـا عامـ ًا أساسـًّيا فـي اكتسـاب
أسـاليب الحيـاة فـي مجتمـع معيـن أو جماعـة اجتماعيـة الثقافة الاجتماعية وتعلم أنماط السلوك ،انصرف علماء
محـددة ،بمـا يمّكنـه مـن التعايـش مـع الآخريـن داخـل النفس إلى التركيز على بنية الشخصية باعتبارها محدًدا
هـذا المجتمـع .1ومـن هـذا المنظـور ،تُعـد التنشـئة عمليـة رئي ًسـا فـي تقّبـل أو رفـض ثقافـة المجتمـع وقيمـه .فطبيعـة
تعليـم وتعلـم وتربيـة ،قائمـة علـى التفاعـل الاجتماعـي، التنشـئة الاجتماعيـة ،ومـن ثـم السياسـية ،التـي يتلقاهـا
وتهـدف إلـى إكسـاب الفـرد أنما ًطـا مـن السـلوك والمعاييـر الفـرد تُحـدد إلـى حـّد كبيـر ملامـح سـلوكه السياسـي،
والاتجاهـات التـي تتناسـب مـع أدواره الاجتماعيـة وتؤثـر فـي نظرتـه إلـى ذاتـه وإلـى محيطـه المجتمعـي.
المختلفـة ،بمـا ُيسـهم فـي تحقيـق التوافـق الاجتماعـي
8

