Page 119 - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
P. 119

‫‪911‬‬                        ‫لمحي!إ ا !ب!د التا اين!‬  ‫‪،00‬‬

‫لكي يتفقد ضيعةً من ضياع أبيه ‪ ،‬وسبحان اللّه ! فقد كانت تلك هي أول مرةٍ يخرج بها‬

‫سلمان من قريته تلك ‪ ،‬فلقد كان أبوه ‪ -‬وهو دهقان القرية ‪ -‬لا يتركه يخرج من البيت‬
 ‫لحرصه الشديد عليه ‪ ،‬إلّا اللّهأن أبى إلا أن ينضم سلمان الفارسي إلى ركب إخوته من‬
‫الصحابة العرب حتى ولو كان في أعماق بلاد فارس وعلى بعد اَلاف الأميال من مكة‪،‬‬

‫ففي طريقه إلى الضيعة سمع سلمان ترانيمًا تخرج من كوخ صغير‪ ،‬فاقتاده فضوله لمعرفة‬
  ‫مصدر تلك الترانيم ‪ ،‬فوجد في الكوخ قسّيسين من نصارى فارس ‪ ،‬وبعد محادثة طويلة‬

   ‫معهم اعتنق سلمان النصرانية ‪ ،‬وترك المجوسية التي كان يعمل فيها بنفسه على إسعال‬
‫النار المقدسة لدى المجوس ‪ ،‬وبعد أن عاد أخبر أباه بأنه أصبح نصرانيًا‪ ،‬فحبسه أبوه في‬

    ‫البيت بالأغلال حتى يرجع لدين آبائه ‪ ،‬إلّا أن سلمان استطاع الهر! ليرحل إلى أرض‬

‫الشام ‪ ،‬ليطلب من أعظم أسقف في الشام أن يعلمه أمور الدين مقابل خدمته له ‪ ،‬وفعلًا‬
    ‫أقبل سلمان على خدمته والتعلم منه‪ ،‬إلا أنه اكتشف أن ذلك الأسقف النصراني يجمع‬

‫الصدقات من الناس ويكنزها لنفسه ‪ ،‬فكرهه سلمان أسد الكره ‪ ،‬ولكن فقره وغربته‬
‫أجبراه على أن يستمر في خدمته ‪ ،‬وبعد أن مات ذلك الأسقف اللص ‪ ،‬حزن عليه الناس‬

  ‫أشد الحزن ‪ ،‬وأخذوا يتباكون عليه ‪ ،‬فأخبرهم سلمان بأمره ‪ ،‬ودلهم على المكان السري‬
  ‫الذي كان يخبئ فيه الأموال ‪ ،‬فوجدوا جرارًا مملوءةَ بالذهب والفضة ‪ ،‬فصلبوا جثة ذلك‬
‫الأسقف ومثّلوا بها‪ ،‬وعينوّا أسقفًا جديدًا مكانه ‪ ،‬كان على عكس سابقه في الخير‬

‫والتقوى ‪ ،‬فأصبح سلمان تلميذا له ‪ !،‬فلمّا حضرته الوفاة سأله سلمان ‪ :‬إلى من توصي بي؟‬

  ‫وما تأمرني ؟ فقال له الأسقف ‪ :‬أي بني ‪ ،‬واللّه ما أعلم أحداَ اليوم على ما كنت عليه ‪ ،‬لقد‬
‫هلك الناس وبدَّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلًا رجلًا بالموصل وهو على ما كنت عليه‪،‬‬

‫فالحق به ‪ .‬ثم مات الأسقف الطيب ‪ ،‬فرحل سلمان لى أرض الموصل (سمال العراق )‬
    ‫كما أوصاه سيده قبل وفاته ‪ ،‬فرحب به الكاهن الموصلي ‪ ،‬فصحبه سلمان إلى أن حضرته‬

‫‪ :‬أي بني ‪ ،‬واللّه ما أعلم‬  ‫الوفاة ‪ ،‬فسأله بماذا يوصيه قبل وفاته ‪ ،‬فقال له القسيس الموصلي‬

     ‫رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به ‪ .‬ثم مات صاحب‬
‫الموصل ‪ ،‬فرحل سلمان من جديد يقصد مدينة نصيبين (جنوب سرق تركيا الاَن )‪ ،‬فوجد‬

‫صاحب نصيبين ‪ ،‬فأخبره بحكايته ‪ ،‬فرحب به ‪ ،‬فأقام عنده سلمان يتعلم منه حتى أتته‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124