Page 111 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 111
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
أخذ مكانه العالي بين الذين غرسوا في قلوبھم سارية الراية التي أخذت تخفق في الأفق الرحيب ناعية
عصر الوثنية ،والقيصرية ..مبشرة بأيام المستضعفين والكادحين ،الذين سيقفون تحت ظل ھذه الراية
سواسية مع أولئك الذين استغلوھم من قبل ،وأذاقوھم الحرمان والعذاب..
وفي استبسال عظيم ،حمل خبّاب تبعاته كرائد..
يقول الشعبي:
" لقد صبر خبّاب ،ولم تلن له أيدي الكفار قناة ،فجعلوا يلصقون ظھره العاري بالرضف حتى ذھب
لحمه"!!..
أجل كان حظ خبّاب من العذاب كبيرا ،ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب..
لقد ح ّول كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبّاب والذي كان يصنع منه السيوف ..حولوه كله الى
قيود وسلاسل ،كان يحمى عليھا في النار حتى تستعر وتتوھج ،ثم يط ّوق بھا جسده ويداه وقدماه..
ولقد ذھب يوما مع بعض رفاقه المضطھدين الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،لا جوعين من
التضحية ،بل راجين العافية ،فقالوا ":يا رسول ﷲ ..ألا تستنصر لنا..؟؟" أي تسأل ﷲ لنا النصر
والعافية...
ولندع خبّابا يروي لنا النبأ بكلماته:
" شكونا الى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو متوسد ببرد له في ظل الكعبة ،فقلنا :يا رسول ﷲ ،ألا
تستنصر لنا..؟؟
فجلس صلى ﷲ عليه وسلم ،وقد احم ّر وجھه وقال:
قد كان من قبلكم يؤخذ منھم الرجل ،فيحفر له في الأرض ،ثم يجاء بمنشار ،فيجعل فوق رأسه ،ما
يصرفه ذلك عن دينه!!..
وليت ّم ّن ﷲ ھذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى ﷲ ﷲ عز وجل ،والذئب
على غنمه ،ولكنكم تعجلون"!!..
سمع خبّاب ورفاقه ھذه الكلمات ،فازداد ايمانھم واصرارھم وقرروا أن يري كل منھم ربّه ورسوله ما
يحبّان من تصميم وصبر ،وتضحية.
وخاض خبّاب معركة الھول صابرا ،صامدا ،محتسبا ..واستنجد القرشيون أم أنمار سيدة خبّاب التي كان
عبدا لھا قبل أن تعتقه ،فأقبلت واشتركت في حملة تعذيبه..
وكانت تأخذ الحديد المحمى الملتھب ،وتضعه فوق رأسه ونافوخه ،وخبّاب يتلوى من الألم ،لكنه يكظم
أنفاسه ،حتى لا تخرج منه زفرة ترضي غرور جلاديه!!..
وم ّر به رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يوما ،والحديد المح ّمى فوق رأسه يلھبه ويشويه ،فطار قلبه
حنانا وأسى ،ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومھا لخبّاب..؟؟
لا شيء الا أن يثبته ويدعو له..
ھنالك رفع الرسول صلى ﷲ عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء ،وقال:
" اللھم أنصر خبّابا"..
111