Page 110 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 110

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                                                     ‫ويعود أحدھم فيسأله في خبث‪:‬‬
                                                                          ‫ھل رأيته أنت يا خبّاب‪..‬؟؟‬

                                              ‫ويسخر خبّاب من مكر صاحبه‪ ،‬فير ّد عليه السؤال قائلا‪:‬‬
                                                                                       ‫من تعني‪..‬؟‬

                                                         ‫ويجيب الرجل في غيظ‪ :‬أعني الذي تعنيه‪..‬؟‬
 ‫ويجيب خبّاب بعد اذ أراھم أنه أبعد منالا من أن يستدرج‪ ،‬وأنه اعترف بايمانه الآن أمامھم‪ ،‬فليس لأنھم‬

         ‫خدعوه عن نفسه‪ ،‬واستدرجوا لسانه‪ ،‬بل لأنه رأى الحق وعانقه‪ ،‬وقرر أن يصدع به ويجھر‪..‬‬

                                                  ‫يجيبھم قائلا‪ ،‬وھو ھائم في نشوته وغبطة روحه‪:‬‬
                     ‫أجل‪ ...‬رأيته‪ ،‬وسمعته‪ ..‬رأيت الحق يتفجر من جوانبه‪ ،‬والنور يتلألأ بين ثناياه‪!!..‬‬

                                                  ‫وبدأ عملاؤه القرشيون يفھمون‪ ،‬فصاح به أحدھم‪:‬‬
                                                        ‫من ھذا الذي تتحدث عنه يا عبد أ ّم أنمار‪..‬؟؟‬
                                                                    ‫وأجاب خبّاب في ھدء القديسين‪:‬‬

‫ومن سواه‪ ،‬يا أخا العرب‪ ..‬من سواه في قومك‪ ،‬من يتفجر من جوانبه الحق‪ ،‬ويخرج النور بين ثناياه‪..‬؟!‬
                                                                         ‫وصاح آخر وھ ّب مذعورا‪:‬‬
                                                                                ‫أراك تعني محمدا‪..‬‬

                                                             ‫وھز خبّاب رأسه المفعم بالغبطة‪ ،‬وقال‪:‬‬
                                         ‫نعم انه ھو رسول ﷲ الينا‪ ،‬ليخرجنا من الظلمات الى االنور‪..‬‬

                                          ‫ولا يدري خبّاب ماذا قال بعد ھذه الكلمات‪ ،‬ولا ماذا قيل له‪..‬‬
  ‫كل ما يذكره أنه أفاق من غيبوبته بعد ساعات طويلة ليرى ز ّواره قد انفضوا‪ ..‬وجسمه وعظامه تعاني‬

                                               ‫رضوضا وآلاما‪ ،‬ودمه النازف يض ّمخ ثوبه وجسده‪!!..‬‬

  ‫وح ّدقت عيناه الواسعتان فيما حوله‪ ..‬وكان المكان أضيق من أن يتسع لنظراتھما النافذة‪ ،‬فتح ّمل على‬
‫آلامه‪ ،‬ونھض شطر الفضاء وأمام باب داره وقف متوكئا على جدارھا‪ ،‬وانطلقت عيناه الذكيتان في رحلة‬
‫طويلة تح ّدقان في الأفق‪ ،‬وتدوران ذات اليمين وذات الشمال‪..‬انھما لا تقفان عند الأبعاد المألوفة للناس‪..‬‬
‫انھما تبحثان عن البعد المفقود‪...‬أجل تبحثان عن البعد المفقود في حياته‪ ،‬وفي حياة الناس الذين معه في‬

                                                                 ‫مكة‪ ،‬والناس في كل مكان وزمان‪..‬‬
 ‫ترى ھل يكون الحديث الذي سمعه من محمد عليه الصلاة والسلام اليوم‪ ،‬ھو النور الذي يھدي الى ذلك‬

                                                               ‫البعد المفقود في حياة البشر كافة‪..‬؟؟‬
    ‫واستغرق خبّاب في تأ ّملات سامية‪ ،‬وتفكير عميق‪ ..‬ثم عاد الى داخل داره‪ ..‬عاد يض ّمد جراح جسده‪،‬‬

                                                                     ‫ويھيءه لاستقبال تعذيب جديد‪،‬‬
                                                                                    ‫وآلام جديدة‪!!..‬‬

                                 ‫ومن ذلك اليوم أخذ خبّاب مكانه العالي بين المعذبين والمضطھدين‪..‬‬
    ‫أخذ مكانه العالي بين الذين وقفوا برغم فقرھم‪ ،‬وضعفھم يواجھون كبرياء قريش وعنفھا وجنونھا‪..‬‬

                                                               ‫‪110‬‬
   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115