Page 69 - merit 39 feb 2022
P. 69
67 إبداع ومبدعون
القصــة في ليبيا
شيء ،وتشاجرت مع الآخرين حتى امتلأ جسدي العملاقة ،والمراعي المترامية على مدى البصر،
والفراشات الثرية بالف لون ،والقمر الفاتن،
بالندوب ،وسقطت في المصائد الكريهة كثي ًرا وقالوا والسحابات الريشية المتوهجة الذوائب ،وآلاف
عني إنني مجرد فأ ٍر أحمق! الأشياء الأخرى الممتلئة بالروعة وسحر الانطلاق..
أقول لك :فيما كنت أتطلع إلى كل ذلك ،كنت قد
ولكني -يا صديقي -لم أفقد ذلك الحلم العتيق على سئمت تما ًما الزحف خلال الأعشاب البرية،
وصحبة الديدان المطفأة العيون ،وتسلق أسوار
الإطلاق ،إلى أن أفقت ذات يوم ووجدت أن الله قد المقابر ،ونهش عيون الموتى ،والبحث عن القوت
في فضلات الآخرين ،والفزع الرهيب حين انهمار
زرع فوق ظهري جناحين غريبين ،وأنني أصبحت
المطر ،ومرأى الطيور الهمجية القاتلة.
-عبر لحظة موغلة بالذهول -مجرد خفاش ،خفا ٌش لقد سئمت كل ذلك ،وطفقت أحلم طوال الوقت بأن
أصبح طائ ًرا ،غير أنني نهضت ذات يوم ،وإذ أزحت
يطير على غير هدى!
عن كاهلي حزمة من الأعشاب المتهالكة وجدت أن
وفيما يهبط المساء ،وتكتسي السموات بشحوب الله قد مسخني فأ ًرا!
غامق ،كنت أهجر تلك الشجرة ،وأظل أطير بقلق كنت مجرد دودة حقيقية..
ولكن جسدي اكتسى أخي ًرا بفراء رمادي ناعم،
زعر خلال أزقة المدينة ،على حين يشرع الصغار واشرأبت في رأسي أذنان كبيرتان ،واكتظ فمي
بالأنياب ،وأصبحت -في لحظة غامرة بمشاعر
في مطاردتي ،ويوالون قذفي بقبعاتهم ،وصياحهم
الذهول -فأ ًرا ..فأ ًرا حقيقيًّا لا شك فيه!
المفزع. حكايتي عجيبة..
كنت مغلق العينين ،غير أنني استطعت مرا ًرا ان وفيما كانت بقية الفئران تلهث خلف الفتات
أرى وجه الموت الكريه وهو يتنفس عند أنفي المتساقط عند الموائد ،كنت أتسلى بالتمرغ في الورق،
مباشرة حين كنت أهوي إلى الأرض على أثر إحدى كنت أقرض الكتب ،والشعر كذلك ،وأنظر إلى كل
الفخاخ المزروعة على طول الطريق.
الضربات الموجعة ،ولكن يبدو أنني غير قابل كنت فأ ًرا حقيقيًّا..
للموت ،وإذ كان الرفاق يقولون لي: وكان من الممكن أن تكون حياتي سهلة ومبهجة
للغاية لو أنني اكتفيت بذلك ،غير أن حل ًما آخر اكثر
– أيها الفأر الطائر ،الغريب الأطوار ،سوف تلقى حماقة قد نبت في رأسي الصغير الممتلئ بالرعونة
حتفك ذات يوم. والطيش..
لقد بدأت أحلم بأن أضع الجرس في رقبة القط.
كنت أرفع أنفي الأسود نحو السماء وأقول لهم
وكان ذلك بداية غربة من نو ٍع آخر!
ببساطة: أخي عمر..
– أنا لست فأ ًرا طائ ًرا ،بل إنني لست فأ ًرا على وبينما كانت الفخاخ تنهش أقدامي دون انقطاع،
الإطلاق ،وسوف لن أموت أب ًدا. كنت لا أزال أحمل في قلبي كل العناد والإصرار،
ويضحك كل الرفاق ،فيما يعاودني الحلم القديم وذلك الحلم القديم في أن أصبح طائ ًرا ذات يوم.
نفسه.. حكايتي عجيبة..
ولقد ولجت كل الأقبية ،وذرعت كل الأرصفة
حكايتي عجيبة.. وتعرفت على كثير من الوجوه الطيبة والرديئة على
السواء ،ونمت في كل مكان ،وشربت كفايتي من كل
أردت أن أعبر الأشياء حتى منتهاها ،أن أذرع أيامي
بكل خطوط الطول والعرض ،أن أسير إلى أقصى
نهايات الطرق ..كل الطرق ،أن ألمس بأصابعي ما
تسفر عنه رحلات الانطلاق المسعور إلى آخر مدى.
وما كنت لأملك في داخلي أي شيء خارق سوى
قليل من الإصرار ،وتطلع جائع أب ًدا ،واستعداد
متواضع لتحمل كل الهزائم ،وذلك الحلم القديم.
خفا ٍش
بجناح ْي هذا تحقق أن تستطيع ولكن كيف
أعمى..
أخي عمر..
حين يشرع الله في تعذيب مخلو ٍق ما ،فإنه
-بالتأكيد -ينزع عنه فضيلة الرضا ،أعني القناعة،