Page 70 - merit 39 feb 2022
P. 70

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪68‬‬

                                                        ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫التي أسكن بها‪ ،‬وأخذت أبكي هناك بمرارة‪ ،‬وكنت‬               ‫ويدعه يلهث عند سفح الجبل مثل ضبع محموم‬
    ‫لا أزال أبكي حين أدركني النوم‪ ،‬وكنت لا أزال‬           ‫بينما عيناه تتطلعان باتصال صوب القمة الذهبية‬
                     ‫أبكي حين زارني (سندباد)‪.‬‬              ‫المتألقة في وجه الشمس‪ ،‬لقد أدركت كل ذلك على‬
     ‫لقد ربت فوق رأسي بلطف‪ ،‬وتطلع إل َّي بعينين‬
                                                                                     ‫نحو اليقين‪ ،‬قال لي‪:‬‬
  ‫ودودتين معل ًقا طيف ابتسامة على شفتيه‪ ،‬ثم قال‬                           ‫– الدود الملعون لا يملك أجنحة‪.‬‬
                                            ‫لي‪:‬‬                ‫غير أن رأسي الصغير كان ممتلئًا إلى حافته‬
                                                          ‫بالعناد‪ ،‬كما لو كنت أعيش داخل رأس بغل‪ ،‬ولذا‬
       ‫– كفى‪ ..‬لا تعد تبكي‪ ..‬فقد انتهى أمر الحياة‬         ‫فقد سرت في اتجاه أنفي‪ ،‬وكانت عيناي مكتظتين‬
       ‫العجوز‪ ..‬أحرقت جثتها‪ ،‬ووضعها العبيد في‬                              ‫بالصور‪ ،‬والسموات‪ ،‬والألوان!‬
     ‫قواربهم‪ ،‬وانطلقوا بها ملتهبين غاضبين‪ ،‬ولقد‬
‫شاهدتها النوارس تنزلق إلى قاع المحيط مثل محارة‬                                          ‫حكايتي عجيبة‪..‬‬
                                                                                  ‫أردت أن أكون طائ ًرا‪..‬‬
                                        ‫متعفنة‪.‬‬                 ‫ولقد سئمت مناكدة الصغار لي‪ ،‬ودعاباتهم‬
    ‫كانت تلك يا صديقي امرأة رديئة‪ ،‬وكانت تقتعد‬            ‫السمجة‪ ،‬مثلما سئمت تلك الأجنحة المصنوعة من‬
 ‫حج ًرا ناتئًا في كل ميناء‪ ،‬وتغازل رجال البحر حتى‬          ‫ورق التبغ المخترق‪ ،‬وذلك الأنف المسود‪ ،‬والنوم‬
   ‫يسيل العرق من أصابعهم‪ ،‬وكانت تذهب مع أي‬                 ‫بالمقلوب‪ ،‬والعيون المغلقة‪ ،‬والهروب من القبعات‬
 ‫بحار يغادر الميناء‪ ،‬وتظل هناك مستلقية على سطع‬                              ‫المارقة‪ ..‬والموت عبر الظهيرة‪.‬‬
  ‫قاربه عارية‪ ،‬متصببة عر ًقا‪ ،‬مفجعة مثل الجحيم‪،‬‬
‫وكانت تلد مثلما تبيض السلحفاة‪ ،‬آلا ًفا من الأكياس‬                                    ‫أنا سئمت كل ذلك‪..‬‬
    ‫اللزجة‪ ،‬المليئة بالأطفال‪ ،‬ملقية بهم في الماء بينما‬        ‫ولقد ذهبت ذات يو ٍم إلى كوخ بومة عجوز في‬
                                                        ‫لإحدى الخرب‪ ،‬كانت تجيد السحر‪ ،‬والفسق والغناء‬
                                                          ‫في أعقاب الليل‪ ،‬وكانت تجيد أكل الفئران مغمضة‬

                                                                                                ‫العينين‪.‬‬
                                                                                        ‫– ماذا تفعل هنا؟‬
                                                          ‫كذلك قالت لي فيما كانت تتلمظ بعينيها‪ ،‬غير أنني‬

                                                                                                 ‫أجبت‪:‬‬
                                                             ‫– أنا يا سيدتي مجرد خفاش سيئ الحظ‪ ،‬وقد‬
                                                          ‫تمنيت طول الوقت أن أطير إلى أقصى مدى‪ ،‬وأنا‬

                                                                                           ‫وحي ٌد أي ًضا‪..‬‬
                                                                                    ‫– حسنًا‪ ..‬اجلس هنا‪.‬‬
                                                            ‫كانت رائحة القرنفل والعنبر تملأ المكان‪ ،‬وفيما‬
                                                           ‫وضعت في النار بضع حبات‪ ،‬أحضرت لي قطعة‬
                                                          ‫ليمون‪ ،‬وكأ ًسا متر ًعا من مشروب حار نفاذ ظلت‬
                                                          ‫عيناي تدمعان على الفور حين تجرعته‪ ،‬ثم طفقت‬
                                                                                   ‫تغني عارية الساقين‪.‬‬
                                                            ‫كانت بومة قبيحة غارقة في الأصباغ‪ ،‬غير أنها‬
                                                             ‫استطاعت أن تجعلني أحلق على جناحي جرعة‬
                                                           ‫وقطعة ليمون‪ ،‬أن أحلق بطريقة ما دون أن أبرح‬

                                                                                                ‫مكاني‪.‬‬
                                                          ‫وترددت طوي ًل على ذلك الكوخ‪ ،‬ثم اعتراني الممل‬
                                                           ‫فجأة‪ ،‬وقد رجعت ذات ليلة إلى غصن السنديانة‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75