Page 72 - merit 39 feb 2022
P. 72

‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪70‬‬

                                                             ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫شكري الميدي أجي‬

‫(ليبيا)‬

‫اسم أعجمي‬

‫مواصلة التفكير حولها‪ ،‬تركتها فوق طاولتها وتمدد ْت‬         ‫عاد ْت إلى البيت‪ ،‬وهي تدرك أنها لوحدها هذه المرة‪،‬‬
     ‫على سريرها لعدة ساعات‪ ،‬أمامها يومي الجمعة‬               ‫وعلى الطاولة الزجاجية وجد ْت رسمة لابنها عن‬

   ‫والسبت‪ ،‬لتقرر ما يجب أن تفعله حيال هذا‪ ،‬قلل ْت‬          ‫أصدقاء والده‪ ،‬تطلع ْت فيها‪ ،‬تيقنت أنها أخطأت في‬
   ‫حركتها بما أنها في اليوم الخميس‪ ،‬وذلك لتتجاوز‬           ‫هذا الشأن أي ًضا‪ ،‬ولا بد أن تعمل على إصلاح هذا‬
  ‫هذا الصداع‪ ،‬ولتعود إلى جدولها اليومي‪ ،‬الموضوع‬          ‫الخطأ بطريقة ما‪ ،‬فمنذ أيام لم يعد كل شيء كما هو‬
  ‫خصي ًصا‪ ،‬للاستفادة من أيام العطل العشرة‪ ،‬وهي‬          ‫بسبب تجاهلها السخيف للأشياء التي تفرض نفسها‬
                                                        ‫واستسلامها للعادات الطقسية‪ ،‬التي تعيد ذاتها بشكل‬
                          ‫تمثل مدة سفر زوجها‪.‬‬               ‫دوري في حياتها‪ ،‬كل عقد جديد‪ ،‬تنسى مساحتها‬
  ‫منذ ثلاث أشهر بدأ ْت تعاني حالة من عدم التماسك‬        ‫الشخصية‪ ،‬لتجد نفسها في وضع عصيب من الحيرة‬
                                                            ‫والتيه‪ ،‬استنتج ْت المزيد من هذا الوضع‪ ،‬تفاصيل‬
       ‫في حياتها اليومية‪ .‬ظن ْت أنها دو ًما تجد سبي ًل‬     ‫نستها‪ ،‬ثم تطلع ْت من النافذة المفتوحة إلى الحديقة‬
    ‫لتفادي تلك الحالة من عدم التماسك‪ ،‬كما تصفها‬          ‫في الأسفل‪ ،‬هناك شمس هائلة لا ُترى‪ ،‬تنشر أشعتها‬
    ‫بينها وبين نفسها وفي صفحات يومياتها‪« :‬حالة‬          ‫الواهنة على بقعة واسعة‪ ،‬مباني تقف بثبات وراء تلك‬
     ‫سائلة من اللاستقرار العاطفي» تدفعها للاقدام‬        ‫الحديقة البائسة والمهملة منذ سنوات‪ ،‬نافورة لم ترها‬
   ‫على تصرفات خرقاء‪ .‬خريجة قسم الإعلام‪ ،‬بارعة‬             ‫تعمل مطل ًقا‪ ،‬مسجد بسياج حديدي جديد‪ ،‬يقومون‬
   ‫في إطلاق الأوصاف‪ ،‬واستخدام الكلمات الدالة على‬         ‫ببناء ملحق له كمدرسة دينية سلفية‪ ،‬إنها تتكاثر في‬
   ‫حالتها المزاجية‪ ،‬لكنها تشعر بضعف فهم وضعها‪.‬‬             ‫المدينة مؤخ ًرا‪ ،‬مدارس تابعة للأوقاف‪« .‬بميزانيات‬
     ‫أحب ْت القصائد المترجمة لحدود الرهبنة‪ :‬سيلفيا‬
 ‫بلاث‪ ،‬شيموس هيني‪ ،‬فروغ فرخزاد‪ ،‬وتلك القصائد‬                 ‫كبيرة من وزارة التعليم»‪ .‬تذكر ْت ما قاله وزير‬
 ‫المتعلقة بالأساطير اليونانية القديمة‪ ،‬حتى أنها بدأ ْت‬   ‫التعليم الجديد‪ ،‬كما سمعت هذا مجد ًدا خلال زيارتها‬
‫تترجم لصالح المواقع الثقافية منذ بلغ ْت السنة الثانية‬     ‫لمدرسة ابنتها‪ ،‬بدا مدير المدرسة غاضبًا مما يحدث‪،‬‬
   ‫لدراستها الجامعية‪ ،‬زمن مضى كالحلم‪ ،‬تعمل على‬
   ‫تجاهله‪ ،‬فالسيطرة التامة على حياتها اليومية غد ْت‬       ‫لكنها كان ْت غاضبة أكثر منه‪ ،‬فقد تلق ْت اشعا ًرا من‬
     ‫صعبة‪ ،‬لكنها تبدأ نهارها بالتجاهل والاستمرار‬          ‫الإخصائية الاجتماعية‪ ،‬والتي تدعى «سدينا»‪ :‬أنهم‬
   ‫فيه طوال الأسبوع وعلى مدار السنة‪ ،‬حمية ذهنية‬          ‫سيعملون على إرجاع ابنتها لسنة دراسية‪ ،‬ابنتها في‬
  ‫هائلة‪ ،‬بحيث تقلل من تلك الرغبات القديمة وتتحكم‬           ‫العاشرة ومن الطبيعي أن تكون في الصف الرابع‪،‬‬
  ‫بها‪ :‬لا قصائد‪ ،‬لا أحلام‪ ،‬لا استعراضات لغوية على‬       ‫إلا أنهم يعتقدون أنها لم تستوعب الدروس جي ًدا‪ ،‬لذا‬
 ‫مواقع التواصل الاجتماعي‪ ،‬فقط بضع قصائد بنكهة‬            ‫هم مضطرون لإرجاعها عا ًما دراسيًّا حتى تستوعب‬
‫الحكمة وآيات من المصحف الشريف‪ ،‬صور لأشيائها‬
   ‫الصغيرة من مطبخها وشقتها‪ ،‬مقتنيات عادية‪ ،‬إلا‬                   ‫مقرراتها بشكل أفضل من أجل مستقبلها‪.‬‬
     ‫أنها لم تعد تهتم لهذا التكرار الفظيع‪ ،‬فالأحداث‬           ‫كان ْت تعاني من الصداع‪ ،‬عندما قرأ ْت الرسالة‬
                                                           ‫المشئومة الموضوعة داخل حقيبة ابنتها‪ ،‬لم تستطع‬
   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77