Page 77 - merit 39 feb 2022
P. 77

‫‪75‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصــة في ليبيا‬

  ‫نكروما أعجمي صرف مع أنه ليس باسم أوروبي‪،‬‬             ‫جعلتهن تلك الآلات كأنهن طفلات حقيقيات مسلوبات‬
    ‫كذلك مويان‪ ،‬يوكيو ميشيما‪ ،‬ميدي أجي أو حتى‬            ‫الإرادة‪ ،‬أدرك ْت أي ًضا أن الفنانين دائرة خطرة‪ ،‬كان‬
      ‫نغوجي واثيونغو‪ ،‬كلها أسماء أعجمية تستحق‬
   ‫الشطب من سجلاتنا الإدراية‪ ،‬لكنها ليس ْت أسماء‬       ‫يو ًما جمي ًل كما قال ْت‪ ،‬إلا أن إحدى الطالبات من كلية‬
      ‫أوروبية‪ ،‬ثم ما الذي نعنيه بكلمة أعجمي؟»‪ .‬لم‬         ‫الفنون‪ ،‬بد ْت غاضبة منهن لسبب غامض‪ ،‬تواصل‬

 ‫يتوصلا لأي شيء تقريبًا وهي ترك ْت كتابة المقالات‬       ‫التحديق فيهن بنظراتها الحاقدة‪ ،‬ربما لأنهن جعلنها‬
  ‫للمنصات الناطقة بالعربية‪ ،‬وقد كسب ْت مبالغ جيدة‬         ‫تشعر بأنهن أفضل منها في اختيارهن‪ ،‬ابنة خالتها‬
 ‫حتى أنها اشتر ْت شاشة ‪ 45‬بوصة‪ ،‬جهاز لاب توب‬              ‫تعتبر أنها منتصرة‪ ،‬الصيدلة مقابل الفنون‪ ،‬شيء‬
‫جيد وطابعة ليزرية وبدأ ْت تكتب روايتها التولستوية‬         ‫مثل لعبة فيديو‪ ،‬هكذا فسر ْت المسألة‪ ،‬لكنها بعكس‬
   ‫الأولى‪ ،‬إلا إنها لم تتجاوز مراحل التخطيط للفصل‬
                                                            ‫ابنة خالتها‪ ،‬امتلك ْت تفسي ًرا مختل ًفا‪ ،‬فقد عاش ْت‬
        ‫الأول‪ ،‬تفاصيل كثيرة ظل ْت تتفجر في ذهنها‪،‬‬         ‫تقريبًا مثل تجربة طالبة كلية الفنون‪ ،‬دو ًما دافع ْت‬
                             ‫فاستسلم ْت للصداع‪.‬‬
                                                            ‫عن اختيارها لقسم الإعلام‪ ،‬ولم تنجح مطل ًقا في‬
    ‫عليها نسيان تفاصيل يومي الجمعة والسبت‪ ،‬أن‬           ‫كسب احترام أحد‪ ،‬وعقب الثورة أفسد ْت المؤسسات‬
   ‫تكون في «يوم الأحد» بحالة جيدة ومستعدة تما ًما‬        ‫الإعلامية المستحدثة أي احترام ممكن أن يكسبه أي‬
   ‫لخوض تجربتها من أجل استعادة ذاتها الحقيقية‪،‬‬           ‫صحفي‪ ،‬أصبح ْت مهنة أقرب إلى السياسة من حيث‬
  ‫الصراع مع المدرسة لأجل تحقيق وجودها الخاص‪،‬‬
   ‫أ ًّيا ما كان يعنيه هذا الوجود الخاص‪ ،‬لديها الوقت‬      ‫شبهات الفساد‪ ،‬الرذيلة والتصرفات اللا أخلاقية‪،‬‬
   ‫الكافي لهذا التحقيق‪ ،‬بحسب معرفتها‪ ،‬فإن زوجها‬            ‫لم تعد أكثر من ناطق باسم السياسيين‪ ،‬من ُيعلم‬
   ‫سيجد وسيلة للبقاء مطو ًل داخل فندق من خمس‬
                                                             ‫الناس قرارات الحكومة التابعة لها‪ .‬كان ْت تكتب‬
                                         ‫نجوم‪.‬‬          ‫بعض المقالات في المواقع الأوروبية الناطقة بالعربية‪،‬‬
    ‫صباح هذا اليوم أصبح ْت مجرد ثلاثينية منهكة‪،‬‬
   ‫للمرة الأولى‪ ،‬تغير رقم حياتها من اثنين إلى ثلاثة‪،‬‬      ‫ترسل تقارير ثقافية عن البلاد‪ ،‬في محاولة يائسة‬
                                                        ‫منها لتحسين نظرة الناس تجاه وطن غارق في حمى‬
       ‫ولم يتغير شيء في سير حياتها اليومي‪ ،‬فمنذ‬        ‫الكراهية‪ ،‬شرح ْت هذه الحقيقة في واحدة من مقالاتها‪:‬‬
      ‫ثلاثة أيام وهي تعاني من هذا الصداع‪ ،‬تتخيل‬
  ‫وجود «مواقع للعمل» فوق رأسها‪ ،‬مثل تلك الدعاية‬             ‫«إننا ننغمس بلا توقف في معضلاتنا السياسية‪،‬‬
  ‫التلفيزيونية‪ ،‬صورة إعلانية أخرى عن ترويج لحبة‬        ‫بحيث تحولنا إلى مخلوقات هديسية تعيش بعيدة عن‬
‫سحرية ضد الصداع‪ ،‬لكنها ليس ْت كذلك على الإطلاق‪،‬‬        ‫الضوء‪ ،‬اكتسبنا مزي ًدا من القبح مع عادات أكثر قب ًحا‬
 ‫عشرات العمال بأزيائهم الملونة والمتسخة يواصلون‬         ‫متعلقة بالصراخ الهستيري الدائم‪ ،‬كأننا سنعمل على‬
   ‫العمل فوق رأسها‪ ،‬إنهم يحطمون كل شيء هناك‪،‬‬
   ‫لا يمكنها فتح عينيها‪ ،‬لكنها جهز ْت ابنتها باهتمام‬     ‫حل كل المشكلات المحيطة بعالمنا خلال يوم وليلة»‪.‬‬
      ‫للذهاب إلى المدرسة‪ ،‬كان ْت الطفلة تغني بابتهاج‬      ‫كتب ْت المقالات القصيرة للمواقع الأوروبية الناطقة‬
     ‫«أغنية تونسية» تصدح عاليًا من إذاعة المدرسة‪،‬‬
     ‫بدا لها شيئًا غريبًا‪ ،‬أغنية غير تربوية عبر إذاعة‬        ‫بالعربية وأرسل ْت القصص القصيرة للمنصات‬
   ‫المدرسة‪ ،‬حتى أن كلمات الأغنية لا تناسب الأطفال‬            ‫الثقافية الخليجية‪ ،‬ما وراء الكواليس‪ ،‬كل شيء‬
    ‫وفيها روح تشاؤمية‪ .‬بالرغم من الصداع وجد ْت‬          ‫يحدث‪ .‬واصل ْت على هذا لمدة ثلاث سنوات ثم توقف ْت‬
   ‫رفاهية للقلق من عدة أشياء‪ :‬فكر ْت في مدى تأثير‬         ‫بسبب الاسم الاعجمي‪ ،‬مازحها زوجها‪« :‬اندمج ِت‬
 ‫الأغنية على عقول أطفالها وتذكر ْت هدفها في الحياة‪،‬‬        ‫مع المواقع الأوروبية حتى أصبح ِت تريدين اس ًما‬
  ‫المواجهة المرتقبة مع الإخصائية‪ ،‬ثم انتابتها مشاعر‬        ‫أوروبيًّا!»‪ .‬عندها لفتت نظره بكونه اس ًما أعجميًّا‬
 ‫غير مريحة‪ ،‬مع رغبة قاتمة لم تستطع فهمها‪ ،‬عبر ْت‬         ‫لا يعني مطل ًقا أنه أوروبي‪ .‬سألها زوجها ما الفرق‬
                                                          ‫بين اسم أوروبي واسم أعجمي «رون سيباستيان‬
                                                           ‫اتكنسون» اسم أعجمي‪ .‬فقال ْت وهي تجادله‪« :‬ما‬
                                                         ‫تقوله ليس كل الحقيقة‪ ،‬فهناك اسم أعجمي بحسب‬
                                                        ‫لجان الأوقاف والسجل المدني ولكنه ليس على علاقة‬
                                                         ‫بأي بلد أوروبي‪ُ ،‬يمكن تأكيد أن اس ًما مثل‪ :‬كوامي‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82