Page 76 - merit 39 feb 2022
P. 76

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪74‬‬

                                                       ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

   ‫يومياتها‪« :‬بد ْت مراهقة تحطم قلبها للمرة الأولى»‪.‬‬     ‫يناديه دو ًما حتى في أحلامه‪ .‬كم يؤذيه هذا الجنون‬
  ‫هذه القصص المستعادة عن سعاد وزوجها النفطي‬               ‫المحيط به‪ ،‬فلا تفسير لهذا «الشغف الشيطاني» في‬
‫هي ما تبقيها هادئة‪ ،‬ترجع إلى شقتها لتحاول التمدد‬         ‫القتل والبعد عن السلام إلا بوجود شرخ مرعب في‬
                                                        ‫العقيدة‪ ،‬بالإضافة إلى البعد عن الله‪ .‬هناك ما يسميه‬
     ‫والنوم‪ ،‬لديها أيام قليلة من أجل استعادة شيء‬
      ‫من روحها القديمة‪ ،‬عندما كان ْت طالبة في قسم‬           ‫«معيشة الضنك»‪ ،‬ويؤكد أنها ذكر ْت في القرآن‪،‬‬
    ‫الإعلام‪ ،‬جزء منها كان يميل للفنون‪ ،‬تذكر ْت هذا‬        ‫بالرغم من اندفاعاته الخرقاء‪ ،‬لم يحسم أمره بعد‬
   ‫بسبب حديثها مؤخ ًرا مع ابنة خالتها الصغرى‪ ،‬في‬           ‫للانطلاق في سبيل الله‪ ،‬لا يزال يمتلك بع ًضا من‬
 ‫الثانية والعشرين‪ ،‬تدرس الصيدلة‪ ،‬يبدو أن الجميع‬          ‫عقله‪ ،‬أو أنه يخشى الخوض في مشروعه الذي بلا‬
 ‫يدرسون الصيدلة‪ ،‬وهي بعكس زوجها‪ ،‬ولد ْت لهذه‬            ‫شك سيصرف وقتًا لا يستهان به‪ ،‬يفكر في خياراته‪،‬‬
 ‫المهنة بسبب ميولها الأدبية‪ ،‬لديها خيال هائل وعبث‬      ‫يتساءل عن شجاعته‪ ،‬وبدأ ْت شخصيته تتبدل‪ ،‬بسبب‬
‫لا حدود له‪ ،‬يمنحها قدرات في الاستفادة من وحدتها‬            ‫هذا التردد الجبان‪ ،‬أصبح ه ًّشا وضعي ًفا‪ ،‬عرضة‬
 ‫وتوجه تفاصيل حياتها‪ ،‬حتى أنها تعرف ْت على كاتب‬         ‫للمحاولات المستمية من زوجته‪ ،‬في استغلال ظروفه‬
   ‫شاب ودخل ْت نوادي للقراءة حيث هناك مزيد من‬              ‫النفسية لدفعه لشراء فيلا في بقعة أهدأ وأفضل‪،‬‬
‫ال ُكتاب وال ُكتاب المستقبليين‪ ،‬لديها الكثير من القصص‬     ‫بعي ًدا عن العمارات السكنية المكتظة‪ ،‬بالنسبة إليه‪،‬‬
      ‫المضحكة حولهم‪ ،‬يلوحون ظرفاء لكنهم خبثاء‬
‫الأرواح كالأطفال‪ ،‬شيء من العبث يسم حياتهم‪ ،‬غير‬              ‫فإنه يعتبر زوجته‪« :‬مثل أغلب الزوجات اللائي‬
 ‫واثقين من أنفسهم‪ ،‬بوسعها التلاعب بهم وتخبرهم‬            ‫يعتبرن حيازة هذه المقتنيات مسألة شرف وارتقاء‪،‬‬
    ‫عن مدى سوء كتاباتهم‪ .‬الكاتب الذكي يعرف أن‬
   ‫الليبيين لا يقرأون لذا لا يجب أن ُيصدق إعجابهم‬          ‫فمكانتها تزداد بقدر ما تحوز من أشياء‪ ،‬هذا هو‬
    ‫بكتاباته‪ ،‬فهو مجرد مجاملات تشجيعية من قبل‬           ‫أساس البلاء في الوطن‪ :‬الشره المجفوع‪ ،‬هو ما يدفع‬
  ‫أشخاص لم يقرأوا كتاباته‪ ،‬لكنه يعرف أنه لا ُيمثل‬      ‫الجميع في الركض وراء الطموحات الشخصية‪ ،‬بداية‬
   ‫شيئًا في الواقع سوى حلم‪ ،‬لذا يرتعب من إعجاب‬           ‫من جنرالات الجيش‪ ،‬وولعهم المحموم في نيل مزيد‬
‫أحد بكتاباته‪ ،‬هي عرفت هذه الحكمة الثمينة بخبرتها‬
‫الأدبية القليلة‪ ،‬حتى أنها دفع ْت أحدهم إلى الوقوع في‬       ‫من الشرعية‪ ،‬باستحواذ على مزيد من الأراضي‪،‬‬
  ‫غرامها‪ ،‬مستخدمة أسلوب عدم الإعجاب وادعاء أن‬              ‫بالسيطرة على مزيد من البشر وما يعنيه هذا من‬
  ‫النص يتحسن‪ ،‬في البداية تحول ْت في حياته إلى نوع‬
‫من تح ٍّد‪ ،‬يسعى إلى إسكاتها بنص جديد‪ ،‬فوجد نفسه‬                       ‫إفساد لحيوات الآمنين من الشعب»‪.‬‬
    ‫غار ًقا في محيطها العاطفي‪ ،‬بمجرد الاستماع إليه‬            ‫كان الزوج النفطي يحاول دو ًما أن ُيهدئ من‬
  ‫والسماح له بالتطلع في صورتها المعجبة‪ .‬ابنة خالة‬      ‫مشاعرها المنفلتة ورغباتها الملحة في العيش مثل بقية‬
‫مدهشة وعابثة‪ ،‬إنها معجبة بابنة خالتها الطرابلسية‪،‬‬          ‫زوجات مهندسي النفط‪ ،‬مع أنها لم تر إلا زوجة‬
‫واحدة من نزواتها حدث ْت كالتالي‪ :‬قرر ْت مع زميلاتها‬    ‫صديق واحد‪ ،‬عندما قام الأخير بدعوتهما ليوم كامل‬
   ‫في الجامعة زيارة قسم الفنون الجميلة‪ ،‬وقد فعلن‬       ‫لمنزلهما في إحدى ضواحي بنغازي‪ .‬كان عقا ًرا جمي ًل‬
     ‫هذا بحماس الزهور‪ ،‬ضحكات وترقب كأنهن في‬             ‫ورائ ًعا مع حديقة صغيرة ومسبح لطيف‪ ،‬يلمع لي ًل‬
 ‫نزهة مسائية‪ ،‬استقبلهن واحد من هيأة التدريس في‬            ‫بأضواء مبنى دوبليكس من طابقين‪ .‬قال الصديق‬
  ‫الكلية‪ ،‬شاب في منتصف الثلاثينيات‪ ،‬استقبا ًل يليق‬      ‫المهندس لزوجته التي نقل ْت الحديث بكل حماسة كما‬
‫بفتيات رشيقات من قسم الصيدلة وذوات روح فنيه‬               ‫هو إلى سعاد‪ ،‬إنه جلب المخطط من أزمير التركية‪،‬‬
    ‫متمردة‪ ،‬قدم لهن شرو ًحا طفيفة‪ ،‬جعلهن يعزفن‬              ‫كان شيئًا جمي ًل‪ ،‬لا بد كلفه الكثير من الأموال‪،‬‬
  ‫وبدأ يغني لهن في قاعة عازلة للصوت‪ ،‬لكن صوته‬             ‫بالرغم من أن سعاد أصر ْت بعناد على محاولاتها‪،‬‬
    ‫رفف برقة على قلوبهن كالتعويذة‪ ،‬وأندهش ْت كم‬             ‫لكنه حول قلبه لصخرة‪ ،‬سبيل الله أهم من المتع‬
                                                           ‫الدنيوية‪ ،‬حتى زوجته السمراء الجميلة بجسدها‬
                                                         ‫اللاتيني‪ ،‬بدأ يمل منها‪ ،‬لكنه قال إنه لن يغامر ببناء‬
                                                       ‫بيت مثل هذا حتى تسكن البلاد‪ ،‬تحطم ْت آمال سعاد‬
                                                       ‫ووصف ْت مشاعرها باضطراب لجارتها‪ ،‬التي كتبت في‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81