Page 198 - merit 40 apr 2022
P. 198

‫العـدد ‪40‬‬                        ‫‪196‬‬

                               ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬                      ‫محمود‬
                                                               ‫الغيطاني‬
‫تختلف مساحتها من شخص‬           ‫هل ثمة من يستطيع اليقين‬                 ‫غرباء تمامً ا‪ ..‬جميعنا قابلون للكسر!‬
     ‫لآخر تب ًعا لدرجة سعيه‬
                                  ‫بأنه يعرف شريك حياته‪،‬‬
‫نحو التجمل الذي نبتغي من‬         ‫أو صديقه‪ ،‬أو حتى والديه‬
  ‫ورائه الكمال‪ ،‬وهي الفكرة‬
     ‫التي لا يمكن للإنسانية‬         ‫تمام المعرفة‪ ،‬وهل نحن‬
  ‫الوصول إليها رغم سعيها‬       ‫واضحون تما ًما‪ُ ،‬صرحاء مع‬
                                ‫الجميع بالشكل الذي يعكس‬
‫الحثيث باتجاهها‪ ،‬وهو الأمر‬
    ‫الذي لا بد له أن يفضي‬          ‫سيكولوجياتنا وحقائقنا‬
                                   ‫بشكل نقي لا شائبة فيه‪،‬‬
  ‫بنا إلى جهل كل منا للآخر؛‬     ‫وهل من المُمكن تحقيق ذلك‬
    ‫فليس الإنسان كما يبدو‬
   ‫بالضرورة‪ ،‬وإن كنا نظن‬                 ‫على أرض الواقع؟‬
    ‫ذلك‪ ،‬أو نحاول الارتياح‬        ‫دعنا نطرح السؤال بشكل‬
   ‫والركون إلى هذه الفكرة‪،‬‬        ‫آخر‪ :‬هل ثمة أمور نفعلها‬
    ‫كما أننا لا نعرف بعضنا‬        ‫في حيواتنا ولا نخجل من‬
    ‫البعض بالضرورة مهما‬            ‫أن يعرفها الآخر فنفضي‬
                                  ‫بها إليه؛ أم أننا نضطر إلى‬
 ‫كنا ُمتقاربين‪ ،‬أو ُمشاركين‬       ‫الاحتفاظ ببعضها لأنفسنا‬
  ‫لبعضنا البعض في الحياة!‬         ‫فقط داخل صندوق أسود‬
    ‫هذه التساؤلات والأفكار‬        ‫لا يمكن الاطلاع عليه من‬
  ‫الكثيرة لا بد لها أن ُتشعل‬     ‫سوانا؟ هل الإنسان في حد‬
                               ‫ذاته نقي بالشكل الذي يجعله‬
      ‫أذهاننا أثناء ُمشاهدتنا‬    ‫شفا ًفا بالنسبة للجميع‪ ،‬أم‬
    ‫للفيلم الإيطالي ‪Perfect‬‬      ‫أن النفس البشرية دائ ًما ما‬
   ‫‪ Strangers‬غرباء تما ًما‪،‬‬      ‫تحمل داخلها مناطق معتمة‬
   ‫أو حسب العنوان الأصلي‬       ‫لا يمكن الاطلاع عليها؟ وهل‬
   ‫للفيلم بالإيطالية ‪Perfetti‬‬    ‫إذا ما أفضينا بكل شيء في‬
    ‫‪ ،Sconosciuti‬لل ُمخرج‬       ‫حيواتنا للآخرين سيستقيم‬
     ‫والسيناريست الإيطالي‬       ‫ذلك مع خصوصية كل منا‪،‬‬
  ‫‪ Paolo Genovese‬باولو‬            ‫واختلافه عن الآخر‪ ،‬وهل‬
  ‫جنويس‪ ،‬وهو الفيلم الذي‬        ‫يستطيع أحد منا الحياة من‬
   ‫يحرص ُمخرجه على إدانة‬       ‫دون خصوصيته؛ سعيًا وراء‬
  ‫المُجتمع العالمي بشكل عام‪،‬‬
‫وليس المُجتمع الإيطالي فقط؛‬            ‫فكرة النقاء المثالية؟!‬
‫فبما أننا‪ ،‬في العالم‪ ،‬قد صرنا‬       ‫لا يمكن إنكار أن النفس‬
  ‫ُمتشابهين إلى حد كبير في‬         ‫البشرية تحمل في داخلها‬
  ‫سلوكياتنا بفضل اعتمادنا‬         ‫الكثير ج ًّدا من التناقضات‬
‫شبه الكامل على التكنولوجيا‬          ‫التي لا يمكن تفسيرها‪،‬‬
     ‫ووسائل الاتصال‪ ،‬فلقد‬        ‫حتى لصاحبها‪ ،‬أي أن ثمة‬
‫أصبحت أمراضنا الاجتماعية‬         ‫مناطق معتمة تما ًما داخلنا‬
    ‫تكاد أن تكون ُمتشابهة‪،‬‬       ‫لا يمكن لنا البوح بها لأحد‬
‫نمطية‪ ،‬وبالتالي كاد الفيلم أن‬      ‫غيرنا‪ ،‬هذه ال ُجزر المعتمة‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203