Page 199 - merit 40 apr 2022
P. 199

‫‪197‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫من الجميع ُمراقبين إياهم‬        ‫سينمائي‪ ،‬ولكن السيناريو‬        ‫يكون انتقا ًدا قاسيًا للجميع!‬
      ‫فقط‪ُ ،‬متأملين من دون‬       ‫المُحكم الذي شارك في كتابته‬           ‫هذا فيلم ُيحاكمك أنت‬
    ‫تورط‪ُ ،‬مسجلين أفعالهم‬
                                    ‫المُخرج مع خمسة آخرين‬           ‫ك ُمشاهد‪ ،‬يدينك‪ ،‬يزدريك‪،‬‬
   ‫وردود أفعالهم‪ُ ،‬محذرين‬         ‫من كتاب السيناريو‪ ،‬ورغبة‬           ‫يحتقرك‪ ،‬يكاد أن يبصق‬
  ‫إيانا بانطلاقهم من ُمنطلق‬         ‫المُخرج في المُغامرة وتقديم‬      ‫عليك بشكل غير ُمباشر‪،‬‬
  ‫«ماذا لو»‪ ،‬ومن خلال هذه‬                                            ‫وربما يحاول إفاقتك‪ ،‬أو‬
‫الافتراضية ‪-‬التي قد تتحقق‪،‬‬          ‫فيلم ُمختلف نجحا م ًعا في‬    ‫العمل على تطهيرك؛ للوقوف‬
  ‫وربما لا تتحقق‪ -‬يؤكدون‬           ‫تقديم فيلم فني ُمتميز كان‬      ‫أمام ذاتك وإعادة ُمراجعتها‬
                                                                      ‫مرة أخرى للتخلص من‬
     ‫لنا أن صندوق الأسرار‬            ‫السيناريو فيه هو البطل‬        ‫المناطق المعتمة‪ ،‬السوداوية‬
   ‫المُظلم داخلنا لو انفتح‪ ،‬أو‬       ‫الرئيس؛ حيث تمت إدارة‬        ‫داخلك‪ ،‬والتصالح مع ذاتك‪،‬‬
    ‫اطلع عليه أحد؛ سينفجر‬            ‫الحوار فيه ببراعة وذكاء‬          ‫ومع الآخرين! لذا لا بد‬
‫كالقنبلة المدوية ُمدم ًرا كل ما‬                                    ‫من إعادة النظر في حيواتنا‬
  ‫حولنا‪ ،‬وسنكون نحن أول‬                ‫استطاعا الإفلات تما ًما‬       ‫بعد الانتهاء من ُمشاهدة‬
   ‫ضحاياه؛ لذا لا بد لنا من‬          ‫من رتابة الثرثرة بوتيرة‬        ‫هذا الفيلم الذي يؤكد لنا‪،‬‬
 ‫إعادة النظر في حيواتنا مرة‬      ‫تصاعدية حريصة على جذب‬               ‫ك ُمشاهدين‪ ،‬بأننا جمي ًعا‬
   ‫أخرى لإنقاذها مما يمكن‬          ‫انتباه المُشاهد حتى المشهد‬        ‫نمتلك قد ًرا غير هيِّن من‬
   ‫أن تؤول إليه إذا ما انفجر‬        ‫الختامي من الفيلم‪ ،‬ساعد‬        ‫القذارة‪ ،‬والازدواجية التي‬
    ‫صندوق الأسرار المعتم‪،‬‬           ‫في ذلك الأداء الناضج‪ ،‬أو‬         ‫نعرفها جي ًدا عن أنفسنا‪،‬‬
‫والكامن في منطقة عميقة من‬           ‫بالأحرى المارثون الأدائي‬          ‫لكننا لا نحاول التوقف‬
                                   ‫بين المُمثلين الذين حرصوا‬
                   ‫نفوسنا‪.‬‬          ‫على التعبير عن انفعالاتهم‬          ‫أمامها من أجل تأملها‪،‬‬
   ‫يحرص المُخرج في مشاهد‬                                            ‫وإعادة الأمور إلى نصابها‬
                                          ‫بما يتناسب مع كل‬
     ‫ما قبل التيترات ‪Avant‬‬           ‫شخصية‪ ،‬والحوار الذي‬                         ‫مرة أخرى!‬
  ‫‪ Titre‬على التعريف السريع‬       ‫يتدرج متلونا ما بين الفكاهة‪،‬‬    ‫يحاول المُخرج باولو جنويس‬
                                 ‫والجدية‪ ،‬والصرامة‪ ،‬والقلق‪،‬‬
     ‫بالعالم الذي هو بصدد‬                                          ‫التعبير عن هذه الفكرة من‬
     ‫دخوله؛ لذا نرى مشاهد‬              ‫والخوف‪ ،‬وربما الذعر‬        ‫خلال فيلم محفوف بالكثير‬
                                  ‫أحيا ًنا‪ ،‬لنصل في النهاية إلى‬    ‫من المخاطر الفنية؛ فالفيلم‬
        ‫ُمتفرقة لمجموعة من‬
  ‫الأزواج مثل بيانكا ‪-‬قامت‬          ‫التطهر من أفعالنا السرية‬         ‫‪-‬الذي يعتمد بكامله على‬
                                 ‫التي نحتفظ بها لأنفسنا فقط!‬      ‫الحوار‪ -‬كان من المُمكن له‪،‬‬
     ‫بدورها المُمثلة الإيطالية‬   ‫لكن‪ ،‬هل معنى ذلك أن الفيلم‬
    ‫‪ Alba Rohrwacher‬ألبا‬                                            ‫ومن السهولة‪ ،‬أن يتحول‬
  ‫روهرواتشر‪ -‬وهي طبيبة‬                ‫يعقد لنا جميعا ُمحاكمة‬       ‫إلى ُمجرد شكل من أشكال‬
   ‫بيطرية تتحدث هاتفيًّا مع‬                ‫يديننا من خلالها؟‬
   ‫إحدى زبوناتها عن جرعة‬                                             ‫الثرثرة التي لا طائل من‬
 ‫العلاج التي لا بد أن يأخذها‬        ‫صحيح أن الفيلم يكاد أن‬        ‫ورائها لمجموعة من المُمثلين‬
   ‫كلبها‪ ،‬بينما ُنشاهد الزوج‬          ‫يدين الجميع‪ ،‬لكنه يقدم‬     ‫الجالسين أمام الكاميرا التي‬
  ‫كوزيمو ‪-‬قام بدوره المُمثل‬          ‫فكرته بعين المُشاهد غير‬
    ‫‪ Edoardo Leo‬إدواردو‬             ‫المُشترك في الفعل‪ ،‬أو غير‬        ‫تكاد أن تكون ثابتة‪ ،‬كما‬
    ‫ليو‪ -‬الذي يعمل كسائق‬          ‫المتورط فيه؛ فالفيلم لا يلوم‬     ‫أن الفكرة كان من الأحرى‬
    ‫تاكسي ينتهي من ارتداء‬              ‫أح ًدا‪ ،‬ولا يلقي ُصناعه‬      ‫تنفيذها للمسرح؛ لسهولة‬
‫ثيابه ُمتجها إليها لاحتضانها‬          ‫بأحكامهم الأخلاقية أو‬
                                  ‫الوعظية على أحد‪ ،‬بل يقفون‬          ‫تلقيها وتنفيذها مسرحيًّا‬
                                     ‫جمي ًعا على مسافة كافية‬         ‫أكثر مما لو كانت كفيلم‬
   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204