Page 70 - merit 40 apr 2022
P. 70

‫العـدد ‪40‬‬   ‫‪68‬‬

                                                       ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

  ‫ناصف مثل «رمز الطفل‪ :‬دراسة في أدب المازنى»‪،‬‬           ‫تعود إلى سنة ‪ ،1922‬وبين تخرجه في كلية الآداب‬
    ‫«قراءة ثانية لشعرنا القديم»‪« ،‬اللغة بين البلاغة‬         ‫جامعة فؤاد الأول في أربعينات القرن الماضي‪،‬‬

 ‫والأسلوبية» تعد أكثر دلالة لما ذهبنا إليه من أنه لم‬      ‫وهي سنوات شهدت أوج المرحلة الليبرالية التي‬
   ‫يندم على دراسته للتراث‪ ،‬مما جعله امتدا ًدا لجيل‬        ‫مر بها مجتمعنا‪ ،‬وألقت بظلالها على حالة التعدد‬
  ‫من العمالقة ممن تربعوا على عرش الثقافة والفكر‬
       ‫طيلة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي‪.‬‬                 ‫الحزبي والمعرفي والاقتصادي بين الحربين‬
     ‫إ ًذا‪ ،‬وبالنظر إلى المنجز الفكري والثقافي لأعلام‬     ‫العالميتين‪ ،‬في وقت كان يبحث فيه المجتمع بنخبه‬
   ‫الحركة الثقافية والنقدية طوال المرحلة الليبرالية‬    ‫الثقافية والفكرية عن وسيلة للتحرر من الاستعمار‬
    ‫الممتدة في مصر منذ عشرينيات حتى أربعينيات‬          ‫الإنجليزى؛ وهو ما جعل مصطفي ناصف يعود إلى‬
  ‫القرن الماضي‪ ،‬نجد أن السمة الغالبة لهؤلاء‪ ،‬ومن‬       ‫التراث في محاولة للبحث عن وسيلة للتحرر من هذا‬
                                                          ‫الاحتلال‪ ،‬محاو ًل قراءة الحاضر آئنذاك ومن ثم‬
 ‫أبرزهم الدكتور مصطفي عبده ناصف‪ ،‬هي العودة‬
 ‫إلى التراث والاشتباك معه في محاولة لفهم حاضر‬                           ‫استشراف مستقبلنا الاجتماعي‪.‬‬
                                                           ‫لا ننسي أي ًضا الدور الكبير الذي لعبه اساتذته‬
     ‫مجتمعنا المصري المحتل من أجل الانطلاق إلى‬             ‫ممن تتلمذ على أيديهم؛ أمثال طه حسين‪ ،‬وأمين‬
   ‫المستقبل‪ ،‬في وقت كان يبحث فيه مجتمعنا بكافة‬         ‫الخولي الذي يعد أقرب أساتذته إليه‪ ،‬والذي أشرف‬
‫أطيافه عن التحرر من براثن الاستعمار الإنجليزي‪،‬‬            ‫على رسالتيه بمرحلة الماجستير والدكتوراة‪ ،‬بعد‬
 ‫وإن كان مصطفي ناصف تفرد بين مجايله بكونه‬                   ‫أن وجهه إلى دراسة البلاغة‪ ،‬فدرسها عند عبد‬
  ‫لم يترك نفسه أسي ًرا للنظريات النقدية المستوردة‬        ‫القاهر الجرجاني والزمخشري‪ ،‬وهو ما نهله منه‬
    ‫من الغرب في مجال النقد خاصة‪ ،‬لأنه رأي أنها‬          ‫وساهم في تكوينه المعرفي والنقدي‪ ،‬مما جعله أكثر‬
  ‫تبعد كل البعد عن تقديم تفسيرات شارحة لحركة‬                ‫اعتنا ًء بالتراث من أبناء جيله على نح ٍو خاص‪،‬‬
‫التحولات التي تحدث في مجتمعنا المصري آنذاك بل‬           ‫ومن ثم البحث في مقومات الهوية الثقافية المصرية‬
  ‫وفي كافة المجتمعات العربية‪ ،‬وهو ما برز جليًّا في‬          ‫والعربية‪ ،‬وإن كان لم يندم «ناصف» كما ندم‬
                                                       ‫أستاذه الدكتور طه حسين في بحثه بتراثنا كما فعل‬
          ‫قراءاته النقدية للنظريات النقدية الغربية‪.‬‬      ‫طه حسين عندما ألقى بعمامته في البحر‪ ،‬في دلالة‬
                                                           ‫لتمسك ناصف بثقافتنا التراثية منطل ًقا منها‪ ،‬في‬
      ‫العلاقة بين الناقد والمبدع‬
         ‫عند مصطفي ناصف‬                                      ‫محاولة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل‪.‬‬
                                                             ‫ولعل مؤلفات الأستاذ الدكتور مصطفي عبده‬
       ‫تتبين ملامح العلاقة بين الناقد والمبدع عند‬
      ‫مصطفي عبده ناصف من خلال التركيز على‬
  ‫اللغة وما تتضمنه من رموز وإشارات وإسقاطات‬
  ‫تربط القديم بالحاضر والعكس‪ ،‬وهو ما برز منذ‬
  ‫صدور كتابه الأول «الصورة الأدبية»؛ حيث نجد‬
  ‫أنه انطلق من ركيزتين؛ الأولى تمثلت في النظر إلى‬
  ‫مناهج الدراسة النقدية للأدب العربي‪ ،‬وكشف ما‬
 ‫بها من قصور أو عوار‪ ،‬خاصة ما حجب من رموز‬
   ‫وإشارات وإسقاطات تربط بين القديم والحاضر‬
‫والعكس‪ ،‬كما أشار د‪.‬محمد عبد المطلب‪ ،‬أما الركيزة‬
‫الثانية فهي تتمثل في الدعوة إلى إعطاء النص حقوقه‬
   ‫في الاستقلال بنفسه‪ ،‬بعد أن تم اعتماده كوثيقة‬
 ‫نفسية حينًا‪ ،‬ووثيقة اجتماعية حينًا آخر‪ ،‬وصورة‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75