Page 67 - merit 40 apr 2022
P. 67
65 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
محمد الولي حمادي صمود مراعاتها للأبعاد السياقية الخاصة بكل خطاب ،فما
يكتبه القاضي الفاضل الأديب المرموق عن صلاح
اللفظ والمعنى ،والحقيقة والمجاز ،وبلاغة الوجوه، الدين السلطان المعروف ،في ظروف عصيبة أو غير
إلى علاقة أجزاء النص بعضها ببعض ،والحكمة عصيبة ،لا يمكن أن يعالجه البحث البلاغي بنفس
في ترتيبها ،وسبل الاحتجاج ومناهجه ،والموافقات ما يعالج به قصيدة شعرية ،أو عمل روائي أو
القائمة في النص بين طريقته في إيراد المعنى وتعليق مسرحي ،وإلا فإن هذا يأتي ضمن منظومة الخلط
والاضطراب في كثير من الرؤى العربية ،فقد اعتاد
بعضها على بعض ،وتقديم بعضها على بعض الدارسون العرب المحدثون معاملة النص الخطابي
ومقاصد المتكلم ،والغايات المرسومة في ذهنه لنصه،
مما لا بد من جلب المستمع إليه وإغرائه بالوقوع في الإقناعي نفس معاملتهم للنص الشعري أو أي
نص إنشائي آخر ،وهذا يجافي الروح المنهجية التي
«دائرة سحره»(.)12
فإن الاهتمام بالعبارة دون المعنى جر البلاغيين تقتضي أخذ طبيعة الموضوع بعين الاعتبار عند
تحديد منهج تناوله.
إلى الاهتمام بالزينة اللفظية ،ولو أننا عدنا إلى
النص المؤسس للبلاغة العربية لوجدنا أنه كان وبناء على ذلك تتأكد لدينا إمكانية تعدد قراءة
يهتم كل الاهتمام ببنية وتكوين النص التي تجعله التراث البلاغي بحسب نقطة الارتكاز التي ننطلق
مقن ًعا ،يقول د.حمادي صمود «فمؤلَّف كـ»البيان
والتبيين» مث ًل ،على ما فيه من نصاعة البدايات منها ،وزاوية النظر التي على أساسها نختار
وفوران المادة المروية المتأتي من عطش التدوين النصوص التي تبني تلك القراءة ..نود أن نعود
إلى التراث البلاغي ،لا من باب العبارة والأساليب
والجمع في هذه الفترة المبكرة ،لم يستغل في المحققة لبلاغة النص ،والصور والوجوه التي تقيم
الدراسات البلاغية إلا من جهة ما فيه من تعريفات هيأته ،وتسهل ترويجه لدى المتقبل ،وتضمن له
بلاغية ومقاييس ووجوه في المعنى الضيق المقتصر فيه الفعل المرجو ،وإنما ما انتهت إليه اللسانيات
«التداولية» وبلاغة الخطاب من رد الاعتبار إلى
على باب العبارة أقسام منه ،تراجعت أمام طغيان الاهتمام بالعبارة
كترتيب الأقسام ،والاحتجاج ،ومختلف السبل
التي ينتهجها صاحب النص وباني الخطاب
لي ْبلغ غرضه ،ويحمل المخاطب على ما يريد منه،
مما تجمعه فيه الاستعمال الجاري اليوم عبار ٌة
استعارها الدارسون من لغة الحرب وسياسة
الإيقاع بالخصم من مراوغات ميدانية وإيهام
بغير الواقع ،وكر وفر ،هي عبارة الاستراتيجية،
فتحدثوا عنها مقرونة بالخطاب لتدل على البراعة
في سياسته ،وحسن تصريفه ،وقياده على خطة
مرسومة سل ًفا ،مندسة فيه ،لا يفطن إليها المخاطب،
تضمن له النجاعة والرواج ،والقدرة على تحويل
القول فع ًل(.)11
وهم إذ يتحدثون عن هذه السياسة ،يتجاوزون،
في الحديث عنها ،خصائص المكونات الصغرى
التي تبقى في حدود الجملة إلى خصائص النص في
جملته .وبذلك فهم ينتقلون من المعنى إلى الدلالة،
أو «التدلال» ،ويصرفون البحث إلى وجوه تتجاوز