Page 65 - merit 40 apr 2022
P. 65
63 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
في الشعر كانت النظرة إلى اللّغة
سحرية إن ص َّح التعبير ،وفي
بيئة البحث القرآني كانت
النظرة إلى اللُّغة عقلية متزنة
دقيقة ومولعة بالتمييز بين
الأشياء مهما يبلغ تشابهها،
فهما بيئتان أو نظرتان
مختلفتان”(.)2
ويفضل د.محمد الولي ترجمة
كلمة ريطوريك اليونانية
خطابة حينما يكون المقصود
بلاغة الحجاج ،وترجمة بلاغة
حينما يكون المقصود بلاغة
المحسنات(.)3
فبلاغة الخطابة قائمة على «علم
شاييم بيرلمان عيد بلبع محمد العمري البيان» الذي أرسى الجاحظ
دعائمه في فترة كانت فيها
الجدالات كلامية ،والبحث عن الدليل من القرآن
والسنة ،والمحاورات والنقاشات محتدمة بين الفرق الحقيقة إلا بشكل ثانوي خارج عن بناء مفاهيمه
الإسلامية ،التي يسعى كل منها إلى إنتاج (خطاب) البلاغية ،مثل ابن سنان الخفاجي وأكثر المشتغلين
بالإعجاز»( ،)5ومنهم من تنبه للخصوصيات،
تكون بلاغته كفيلة بكسب أكبر عدد من المؤيدين.
واعتبرها عند تأليفه ،مثل قدامة وابن رشيق وحازم
لذا فلا غرو أن نجد الجاحظ يطابق بين المعنيين
«الخطابي والبلاغي» (تماما مثل مطابقة بيرلمان بين واسحق ابن وهب ،فقد اهتم في كتابه «البرهان في
البلاغة والحجاج) .ويهتم بوسائل الإقناع الشكلية وجوه البيان»( )6بإنتاج المعرفة وتصنيفها وطرق
والمضمونية (على مستويي الهيئة والخطاب) .لذلك تداولها ومستويات تقنيتها( .)7على حين انشغل
الجاحظ بالوظيفة التأثيرية للبيان ،دون اهتمام
اهتم بالمقام وبمحدداته وإمكاناته ،هذا علاوة على
بالوظيفة الإخبارية أو الوظيفة الحجاجية -إذ
تركيزه على الجوانب البرجماتية «فالمعنى ليس
يشرف بأن يكون من معاني الخاصة ،وكذلك ليس كانت البلاغة العربية قد ارتبطت بالشعر والقرآن،
والقول البليغ عمو ًما .ومن ثمة كانت محاولة
لتفسير الخطاب ،ولم تهدف إلى إنتاجه ،على عكس يتضع بأن يكون من معاني العامة ،وإنما مدار
الشرف على الصواب ،وإحراز المنفعة مع موافقة
البلاغة الغربية التي ارتبطت بالخطابة ،وإنتاج
الحال ،وما يجب لكل مقام من المقال»(.)4
الخطاب الاستشاري ،والاحتفالي ،والقضائي ،ثم
وقد تنبه أرسطو لذلك ففصل الخطابة عن الشعر،
الشعري فيما بعد -فقد اهتم ابن وهب بالوظيفتين وألف في كل منهما كتا ًبا مستق ًّل ،وتبعه في ذلك
الإخبارية والحجاجية( .)8مما جعله يلتقي في كثير الفلاسفة المسلمون فحرصوا على التفريق بين
من تصوراته حول نظرية الجدل مع النظريات طبيعة الشعر الذي يهدف إلى التخييل وطبيعة
الحجاجية المعاصرة ،والتي تعد جهود أرسطو الخطابة الهادفة إلى التصديق حسب الأحوال
العمدة لها ،وهذا ما يبرر ذلك التقارب الذي بين والاحتمال.
آراء ابن وهب والنظريات المعاصرة بحكم استقائها على حين أن كثي ًرا من البلاغيين العرب من لم
جمي ًعا من مصدر واحد وهو المصدر اليوناني يهتم بالتمييز بين الخطاب الشعري وبلاغة خطاب