Page 120 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 120

‫العـدد ‪30‬‬          ‫‪118‬‬

                                                      ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬  ‫د‪.‬محمد سليم شوشة‬

                  ‫«مقهى لا يعرفه أحد»‪..‬‬
‫شعرية الجموح والتجرد من الجسد والأسماء‬

‫وطأة الشعور بالتشرد أو أن الذات الشاعرة تتجول‬            ‫في المجموعة الشعرية الجديدة للشاعرة المصرية‬
    ‫في الكون بروح مطاردة أو مفتتة في براح الكون‬
                            ‫المتهشم أو المتشظي‪.‬‬             ‫زيزي شوشة «مقهى لا يعرفه أحد» عدد كبير‬
                                                          ‫من السمات والقيم الدلالية والجمالية التي تؤكد‬
‫تستشعر الذات في غالبية هذه النصوص بأن اسمها‬               ‫خصوصية صوتها الشعري‪ ،‬وأنها من الأصوات‬
    ‫عبء عليها أو يزيد من قيودها أو أن في الحقيقة‬       ‫الجادة المحتفية بالشعر والمنتمية له بكل قوة‪ ،‬وتجد‬
                                                         ‫فيه وسيلة وأسلو ًبا للعيش أكثر من كونه وسيلة‬
 ‫هو القيد الأثقل والأشد وطأة‪ ،‬فالاسم يبدو محم ًل‬         ‫للتعبير أو التحقق‪ ،‬فكأن الشعر أمر حتمي يفرض‬
    ‫بالمسئولية والهوية المخصصة أو المغلقة‪ ،‬والذات‬      ‫نفسه عليها‪ ،‬وبخاصة وأن هذه هي المجموعة الثالثة‬
      ‫الشاعرة هنا تندفع دائ ًما إلى التجرد من كافة‬       ‫بعد مجموعتيها السابقتين «غرباء علقوا بحذائي»‬
                                                        ‫و»اسمح لليل بالدخول»‪ ،‬وقد كنت قد قدمت قراءة‬
‫المحددات المغلقة‪ ،‬وتريد أن تتماهى مع العام والمطلق‪،‬‬         ‫في المجموعة السابقة ولمست فيها أنها دالة على‬
     ‫وأن تذوب تما ًما أو تتلاشى في الوجود‪ .‬تقول‪:‬‬      ‫خصوصية صوتها وجديتها وأن الشعر أمر مصيري‬
                      ‫سأفرغ قدمي من الطرقات‬               ‫بالنسبة لها‪ ،‬وأن صوتها الشعري حافل بالمعرفي‬
                          ‫ورأسي من الصرخات‬                  ‫والإنساني ويدخل إلى الشعر العربي وفق فهم‬
                                     ‫لكني أب ًدا‪،‬‬      ‫متناسب مع مستجدات اللحظة الحضارية والثقافية‬
                              ‫لن أخبره باسمي‪.‬‬            ‫الراهنة‪ ،‬وفي إطار شامل من حال الشعر في العالم‬

 ‫هنا إفراغ الذات في بعدها المادي المتمثل في القدم أو‬                     ‫وبخاصة شعر ما بعد الحداثة‪.‬‬
   ‫الرأس أي محددات الجسد من محتواها المعنوي‪،‬‬           ‫يمكن تتبع مسارات الشعرية وأنساقها في المجموعة‬
  ‫وهي الطرقات والصرخات‪ ،‬والحقيقة أن الطرقات‬           ‫الشعرية عبر البحث في تشكيلات المعجم الذي يفرض‬
                                                        ‫نفسه على الذهنية المبدعة‪ ،‬ومثال ذلك ما نلمس من‬
‫هنا هي ما يقول عنه البلاغيون بالمجاز المرسل الذي‬         ‫إلحاح مفردات الطريق والحذاء والدروب والطرق‪،‬‬
 ‫له علاقة المناسبة المكانية‪ ،‬فالمقصود بالطرقات التي‬    ‫والمشي‪ ،‬وهي في قراءتنا تقود إلى الكشف عن نسق‬
                                                       ‫التيه أو التجوال في الكون بدرجة من الضياع أو من‬
   ‫سيتم إفراغ القدمين منها‪ ،‬هي ذكريات المسير أو‬
‫ذكريات كل درب وطريق مضت فيه‪ ،‬أي محو ذاكرة‬

   ‫القدم والبداية من الصفر‪ ،‬ورأسي من الصرخات‬
 ‫أي من الأصوات والتعابير كافة‪ ،‬ربما تعابير الذات‬
   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125