Page 121 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 121

‫نون النسوة ‪1 1 9‬‬                                         ‫نفسها أو أصواتها المخزنة في هذه الرأس وربما ما‬
                                                       ‫يسكنها من أصوات الآخرين‪ ،‬وهكذا فالجملة الشعرية‬
     ‫لأنها ممتدة إلى ما هو أوسع‪ ،‬حيث لم يتم الربط‬
   ‫فيها بين شيئين فقط‪ ،‬بل أكثر‪ ،‬وبنوع من العفوية‬        ‫تمضي في المسار ذاته من تفريغ الذات من محتواها‪،‬‬
 ‫والابتعاد عن الافتعال‪ ،‬فتم الربط بين الاسم والشعر‬        ‫وتفتيتها أو تقسيمها أو نثرها وتجريدها‪ ،‬في حين‬
 ‫المجعد ووجه المدينة‪ ،‬والمدينة في خطوطها العشوائية‬         ‫يبدو الاسم أقرب لفضيحة يجب الاحتفاظ بها أو‬
                                                         ‫التكتم عليها برغم كل هذه السيولة‪ ،‬فكأن كل شيء‬
     ‫وشوارعها غير المنتظمة قد تكون هي الأقرب في‬
   ‫التصور والمخيلة من الشعر غير المهذب أو المجعد‪.‬‬        ‫يجوز له الخروج والانفصال عنها إلا الاسم‪ .‬وليس‬
                                                         ‫اسمها فقط الذي تحسه مصد ًرا للخوف أو مصد ًرا‬
            ‫وتقول في موضع آخر عن الاسم أي ًضا‪:‬‬           ‫للحذر والقلق‪ ،‬بل أسماء أخرى‪ ،‬مثل أسماء الأماكن‬
                         ‫اخترت أن أكون مجهولة‬           ‫أو أسماء الأخرين‪ ،‬والحروف في الاسم تبدو عدائية‬

              ‫في كل مرة يسألني أحدهم عن اسمي‪،‬‬                                            ‫وقاسية‪ ،‬تقول‪:‬‬
                         ‫أقع تحت غواية الكلمات‪،‬‬                         ‫لا أستطيع أن أنطق اسمه بسهولة‬
                              ‫أتلبس اسمها بعي ًدا‬
                           ‫وبعد أن ينتهي المشهد‬                                               ‫إنه طويل‬
                                                                          ‫مثل الطرق التي قطعتها وحدي‪،‬‬
                  ‫أضع الاسم الوهمي تحت قدمي‪،‬‬
                           ‫حتى أصير حرة تما ًما‪.‬‬                              ‫مجعد وشائك كوجه المدينة‬
                                                                                       ‫له حروف تجرح‬
  ‫فهو تمرد كامل على الأسماء بشكل عام‪ ،‬وليس على‬
  ‫اسمها هي تحدي ًدا‪ ،‬حيث يصبح الاسم بصفة عامة‬                                      ‫كأصابع أبي القاسية‬
 ‫قي ًدا وتكري ًسا لمزيد من السلطات التي تحاصر الذات‬                               ‫هذا المقهى يشبه اسمي‬
 ‫الجامحة الراغبة في الذوبان التام في كل أركان الكون‬
                                                                                     ‫الذي لا يعرفه أحد‪،‬‬
                 ‫أو ربما التلاشي أحيا ًنا والعدمية‪.‬‬       ‫تربط هنا بوضوح بين قسوة الاسم وبين السلطة‬
  ‫تبدو الذات الشاعرة في هذه النصوص مشغولة إلى‬            ‫الأبوية‪ ،‬فالاثنان مصدر للخشونة والقسوة‪ ،‬الاسم‬
 ‫حد ضاغط وقاس بالموت‪ ،‬تفكر فيه في إطار صراعها‬              ‫في الحقيقة هو الأكثر ارتبا ًطا بالأبوية وبالجذور‬
   ‫مع المعنى والحياة وصراع الشعر والخلود‪ ،‬يحول‬          ‫والأصولية وكافة المحددات ومراكز السلطة وبؤرها‬
   ‫الموت دائ ًما بينها وبين صوتها الممتد‪ ،‬يحول بينها‬      ‫التي تريد الذات الشاعرة الانفلات منها‪ .‬والحقيقة‬

    ‫وبين قصيدتها المثالية غير المكتملة أو المدفونة في‬                           ‫أن جمال شعرها ليس في‬
   ‫قلبها أو محبوسة على لسانها‪،‬‬                                                 ‫معانيه أو ما تكتنز تراكيبه‬
 ‫وتخشى أن تدفن بها‪ ،‬لا تخشى‬                                                  ‫في جوفها من معان مضمرة‬
   ‫الذات الشاعرة على الجسد من‬
    ‫الموت بل تخشى على ما يمكن‬                                                      ‫وكامنة تحتاج لتفاعل‬
     ‫أن تحمل الروح من القصائد‬                                                      ‫المتلقي‪ ،‬بل إن الصور‬
     ‫والأشعار إلى القبر‪ .‬لا يتجلى‬                                               ‫الطريفة أو المختلفة لتنتج‬
                                                                                   ‫نو ًعا مختل ًفا من المتعة‬
      ‫الموت بشكل لغوي أو هيئة‬                                                ‫الصادمة‪ ،‬حيث تكون بعض‬
  ‫تعبيرية واحدة إن جاز التعبير‪،‬‬
   ‫بل يتبدى عبر تشكيلات لغوية‬                                                           ‫الصورة محطمة‬
 ‫ومعجمية وحالات قولية متنوعة‬                                                            ‫لتوقعات المتلقي‬
 ‫ومتعددة وهو ما يمنحه قد ًرا من‬
‫التلون والمرونة التي تتجاوز رتابة‬                                                          ‫أو للمسارات‬
   ‫الثبات‪ ،‬فمرة يحضر بمفرداته‬                                                              ‫المألوفة لديه‪.‬‬
                                                                                         ‫مثل الربط بين‬
    ‫مثل القبر أو بذاته أو يحضر‬                                                              ‫كون الاسم‬
‫بالغياب وهي الحالة الأكثر طرافة‪،‬‬                                                       ‫مجعد مثل الشعر‬
 ‫فيصير الموت حاج ًزا مرفو ًعا بين‬                                                         ‫وهي استعارة‬
                                                                                          ‫طريفة وفاتنة‬
    ‫عالمين أو وجودين أو حياتين‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126