Page 123 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬

    ‫على أن الأجمل في تقديرنا في هذه النصوص التي‬
    ‫تتشكل وتتأسس على ضمير المخاطب أنها تتلبس‬
    ‫بدرجة من هجاء الذات أو بالأحرى تبلغ ح ًّدا من‬
  ‫المصارحة تلامس بها السخرية المريرة من الذات أو‬

                             ‫ربما هجاؤها‪ .‬تقول‪:‬‬
                                   ‫عشرون عا ًما‬

                        ‫وأنت تسدد فاتورة الجوع‬
                                  ‫وتدرب أسنانك‬
                                 ‫على مضغ العدم‬

                               ‫كنت تبتلع صوتك‬
                                    ‫تحني قامتك‬

                   ‫تكسر الوهم الملفوف حول يديك‬
                        ‫ثم تبري جسدك في حجر‪،‬‬
                                  ‫كي تسقط عنه‬
                            ‫اللحم الإنساني القذر‪.‬‬

       ‫نجد هنا الذات المخاطبة في النص الشعري يتم‬
       ‫مواجهتها بانكساراتها‪ ،‬بفقرها وجوعها وعدم‬
‫شجاعتها‪( ،‬تبتلع صوتك) كناية عن الرعب والخوف‪،‬‬
      ‫تحني قامتك مثلها‪ ،‬تعضدها دلاليًّا وتؤكدها أو‬
‫تصنع حا ًل متكاملة من الانكسار والانسحاق‪( .‬تبري‬
  ‫جسدك في حجر لتسقط عنه اللحم الإنساني القذر)‪،‬‬
   ‫هذه هي الصورة الذروة فنيًّا‪ ،‬وهي اللحظة التي لا‬
  ‫تجد فيها هذه الذات سبي ًل للخلاص‪ ،‬حيث تتخلص‬
   ‫هي من تكوينها المادي أو من الجسد الذي يقيدها‪.‬‬
‫لا تتجسد الشعرية في المعنى وحسب‪ ،‬بل إن الأساس‬
        ‫أن يكون هناك تناغم بين المعنى والتركيب أو‬
  ‫الصياغة أو الجسد اللغوي الذي تحل به هذه الحال‬
‫أو القيم الدلالية‪ .‬ولهذا فإن السمت العام لبنية الجملة‬
   ‫الشعرية والتراكيب أنها لغة تداولية تسمو عن لغة‬
  ‫اليومي بما فيها من شحنات عاطفية وانفعالية وبما‬
‫فيها من الصور والانزياحات عن اللغة المعيارية‪ ،‬فهي‬
    ‫حافلة بالاستعارات والمجازات التي تنبع كلها من‬
  ‫الحالة الشعرية أو من المعنى‪ .‬وتترابط الصور فيما‬
‫بينها في نسق ممتد من أول النص إلى آخره بما يخلق‬
    ‫رو ًحا عامة للتخييل الشعري في القصيدة‪ .‬وتبدو‬
‫الاستعارات في غالبيتها مدفوعة بطاقة التمرد والرغبة‬
      ‫في السيطرة على الكون‪ ،‬فتجعل من العالم شيئًا‬
  ‫محدو ًدا وضئي ًل بكل تفاصيله وأجزائه وأركانه في‬
 ‫مقابل الإنسان القادر على التمدد واستيعابه‪ ،‬فقبضة‬
‫الإنسان قادرة على القبض على المدينة كلها‪ ،‬ولا يعجز‬
   ‫الإنسان عن المسافات أو الفضاءات غير المحدودة‪،‬‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128