Page 128 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 128

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪126‬‬

                                                       ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

                           ‫المعنى الحقيقي للضوء!‬                                 ‫بحثًا عن الأحياء الفقيرة‬
                                      ‫في حقيبتي‬                           ‫أعرف الكثير عن السماء الفارغة‬

                         ‫سأضع القليل من الظلام‬                               ‫والأرض التي صارت حفرة‬
                               ‫والكثير من الحب‪،‬‬                                     ‫لكنني لا أعرف شيئًا‬
                                                                                              ‫عن دمي‬
                             ‫بيننا حب يا صديقة‪،‬‬                                              ‫الذي كتب‬
                                       ‫في المساء‪،‬‬
                                                                              ‫هذه القصيدة» ص‪.23 :21‬‬
                                 ‫يأتي إلى غرفتي‪،‬‬       ‫وهكذا تموج القصيدة بعوالم الأسى والغياب‪ ،‬ورائحة‬
                              ‫فتصحبني الأحلام‪،‬‬
                               ‫الهائمة في الأبدية‪،‬‬            ‫الموت‪ ،‬والاغتراب‪ .‬تلك الأمور تتضح بشدة في‬
                                                       ‫اللحظات المفصلية والأساسية في حياة الذات الشاعرة‪،‬‬
                                   ‫وحين أصحو‪،‬‬
                              ‫يشقق النهار وجهي‬             ‫فتستكشف حينها أشياء بقدر ما تفاجئها بقدر ما‬
                            ‫بيننا حزن يا صديقة‪..‬‬                                               ‫تفاجئنا‪.‬‬
                               ‫من أي طريق جاء؟‬
                                                           ‫فعن طريق الذات الشاعرة تنحاز «زيزي شوشة»‬
                                 ‫أيهما يأتي أو ًل؟‬          ‫لسعي الإنسان في تشكيل نفسه‪ ،‬وتعميق سؤال‬
                       ‫هل يأتي الحزن قبل الحب؟‬              ‫الهوية بداخله‪ ،‬والهوية هنا تعني ذاتيته‪ ،‬وأعماق‬
           ‫أم يأتي الحب قبل الحزن؟» ص‪.102 :99‬‬             ‫نفسه بكل ما تحمله من انفعالات ورغبات وأمنيات‬
   ‫إن هذه التساؤلات المطروحة في النص تعكس جز ًءا‬       ‫وانكسارات وهزائم وتأملات‪ .‬إننا لسنا طر ًفا (سالبًا)‬
     ‫فلسفيًّا مه ًّما في تلك القصيدة وهو «فلسفة الجبر‬     ‫في تلقي آلام الحياة ومصاعبها‪ ،‬ولكننا طرف فاعل‬
 ‫والاختيار»‪ .‬تلك المتاهة التي َوضعتنا الشاعرة داخلها‬      ‫وحقيقي يصنع من تلك الآلام تجارب تبنيه داخليًّا‬
     ‫مسيطرة عليها إلى حد بعيد ‪ ،‬تلك الخيارات التي‬           ‫ليصبح أفضل‪ ،‬وقد يصبح أكثر هشاشة وغيا ًبا‪.‬‬
    ‫لا يمكن أن نسلكها ونحددها وعن طريقها نتحدد‬             ‫إن هذه القناعة تتأكد لدينا عبر قصيدتها «إلى أ َّنا‬
   ‫عبر دروب أخرى نسيرها‪ .‬نظرة فاحصة للتجارب‬
  ‫الإنسانية التي نعيشها تتم من خلال معالجة عميقة‬                                       ‫أخماتوفا»‪ .‬تقول‪:‬‬
‫للغاية أوصلت الذات الإنسانية لنهاية تقف أمام المتاهة‬                                       ‫«بين رمادك‬
        ‫والغياب والحيرة‪ ،‬بروح متعبة منهكة حائرة‪.‬‬
 ‫إن الذات الشاعرة هنا ذات حائرة وتائهة تنطق باسم‬                                       ‫أفتش عن نفسي‬
     ‫الذوات الإنسانية مختلفة الهوية وتستحضر على‬                                  ‫أحبس البكاء في جسدي‬
 ‫سبيل الاحتمال‪ .‬وهذا الانتقال من وضع إلى آخر عبر‬                             ‫فيما الكلمات تنفلت من يدي‬
  ‫الصور الشعرية المركبة والحكايات الشعرية المتاهية‬
‫المتقاطعة ينقل التخييل الشعري من فضاء إلى فضاءات‬                                    ‫لا توقفها الموسيقى‪،‬‬
    ‫أخرى‪ ،‬ويجعل الحكايات الشعرية ذاتها افتراضيًّا‬                                      ‫المنسابة في أذني‬
   ‫لا تكاد تستقر على مصير بعينه‪ .‬تقول في قصيدتها‬                                          ‫صوب رمادك‬

                                ‫«شيء لا نعرفه»‪:‬‬                                       ‫سأمضي في الليل‪،‬‬
                                    ‫«كانوا ثلاثة‬                                       ‫حين يلف العالم‪،‬‬

                            ‫رأيتهم شخ ًصا واح ًدا‪،‬‬                                  ‫بثوب الحياة الأعمى‬
                              ‫بهيئاتهم المتشابهة‪،‬‬                                       ‫سأرتدي العدم‪،‬‬
                                                                                        ‫كي يمتص دمي‬
                    ‫ونظراتهم في اتجاه شيء بعيد‪،‬‬
                      ‫كنت أتابعهم دون أن يروني‪،‬‬                                   ‫ويمحو ذاكرتي الغائمة‬
                                                                                                  ‫نعم‬
            ‫أشاهد ضحكهم المتشقق من شدة البرد‪،‬‬
          ‫وأقدامهم التي تشبه ليلة ممتلئة بالكوابيس‬                              ‫ذاكرتي غائمة يا صديقة‪،‬‬
           ‫كنت أرى كلماتهم وهي تسقط على المائدة‪،‬‬                               ‫واقفة في منتصف الرأس‪،‬‬
                                                                         ‫دون أن تسقط نقطة مطر واحدة‬
            ‫فآخذها على الفور لأنسج منها الحكايات‬                            ‫سآتي إلي ِك وفي قلبي قصيدة‪،‬‬
                                                                          ‫كتبتها وأنا واقفة تحت الشمس‪،‬‬

                                                                                     ‫حين كنت لا أعرف‬
   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133