Page 130 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 130

‫العـدد ‪30‬‬      ‫‪128‬‬

                                                    ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬  ‫د‪.‬معتز سلامة‬

            ‫أزمة الذات ومعاناة البوح‪..‬‬
‫في «مقهى لا يعرفه أحد» لـ»زيزي شوشة»‬

  ‫عن ذاتها قصد الكشف عن تجلياتها وما وراءها‪.‬‬           ‫ترسم لنا الشاعرة زيزي شوشة في ديوانها‬
‫فديوانها رحلة إبداعية تبحث فيه عن ذاتها وتحديد‬
                                                     ‫«مقهى لا يعرفه أحد» صورة واقع مأزوم تعيشه‬
     ‫هويتها أو قل صياغة هويتها واستيلادها من‬           ‫الذات المبدعة‪ ،‬وتحاول البوح عنه عبر قصائدها‪،‬‬
    ‫الواقع الذي يح ّد من طموحاتها وآمالها بما قد‬
   ‫تأسس من قبل‪ ،‬ولا سيما أن النص ‪-‬كما يشير‬                ‫فالشاعرة تبث رؤاها عبر مساحة واسعة من‬
‫الناقد الفرنسي «رولان بارت»‪« -‬ليس كيا ًنا متفر ًدا‬    ‫المدلولات والصور الشعرية والفنية داخل ديوانها‬
   ‫مبتك ًرا لا نظير له» (بحسب المفهوم الرومانسي‬        ‫وبحجم يكاد يكون كبي ًرا إلى حد ما‪ .‬فهي في هذا‬
     ‫المبتذل لما يسمى الإبداع)‪ ،‬بل إنه متش ّكل مما‬  ‫الديوان تبوح بأفكارها ومشاعرها ومعاناتها‪ ،‬سواء‬
                                                      ‫بقصد أم بدون قصد؛ لتكشف عما يدور بداخلها‬
      ‫يسميه «بارت»‪« :‬الما سلف»‪ :‬ما سلف قراءته‬
‫وكتابته ومشاهدته‪ ،‬أي «النص المجتمعي والثقافي»‪.‬‬           ‫وما تعاني منه وما تحلم به‪ ،‬والذي من خلاله‬
                                                        ‫نستطيع التعرف على طبيعة الحراك الاجتماعي‬
     ‫لذا يرى «بارت» أن قراءة نص ما هي أسا ًسا‪،‬‬
    ‫اشتغال للمعنى‪ ،‬وكتابته‪ ،‬وإنتاجه‪ .‬ولهذا يؤكد‬            ‫والثقافي الذي عاشت فيه هذه الذات المبدعة‪.‬‬
 ‫بارت أن المعنى‪ ،‬ليس إمكا ًنا‪ ،‬وليس أحد الممكنات‪،‬‬    ‫فالقراءة الفاحصة في ديوان «مقهى لا يعرفه أحد»‬
                                                     ‫ُتظهر ذا ًتا مبدعة مأزومة منشغلة بهاجس السؤال‬
        ‫إنه كينونة الممكن نفسها أو كينونة التعدد‪.‬‬    ‫وتلامس تخوم الواقع في المجتمع الذي تعيش فيه‪،‬‬
‫وانطلا ًقا من هذه الرؤية بين النص والقراءة وإنتاج‬
                                                       ‫في محاولة لتجاوزها إلى فضاءات لا متناهية من‬
    ‫المعنى‪ ،‬تتصور القراءة الآنية لديوان «مقهى لا‬    ‫التناوش الدائم مع المستقر والثابت عبر سيروراتها‬
     ‫يعرفه أحد» أن الشاعرة زيزي شوشة وظفت‬
 ‫أدواتها الفنية حول محور أساسي هو أزمة الذات‬                                   ‫الفاعلة قدي ًما وحديثًا‪.‬‬
   ‫الشاعرة في بحثها عن هويتها بما هي تصور أو‬          ‫وتبدو رؤى الذات الشاعرة الممتدة داخل الديوان‬
     ‫حلم يتموضع بين نقيضين‪ :‬الكينونة‪ /‬العدم‪.‬‬           ‫ذات منطلقات رؤيوية في الفكر والفلسفة لا تهدأ‬

                                                        ‫صاحبتها في رحلتها الشاقة والممتعة في البحث‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135