Page 129 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 129
نون النسوة 1 2 7 (ما أمتع أن تتابع الآخرين دون أن يروك؟)
كانوا يبددون الظلام،
كانت تبحث عن المعنى،
في الصباح لكنهم رحلوا منذ دقائق
تاركين العتمة لي،
تزيح العالم بيديها
فتتسع عيناها، لا أظن أنهم يعيشون،
وفي الليل في بيوت مغلقة بالصمت،
تنكمش أتخيلهم دائ ًما وهم يسيرون بصخب،
تتلمس ضياعها، يبحثون عن شيء لا يعرفه العابرون،
وتسقط دمعتين، أنا فقط من يعرف
كانت تشبه زاوية حادة، لأنني من نسجت الحكاية» ص.126 ،125
إن احتمالية المصائر المهزومة تتحول هنا ،فتتخذ الذات
بمرور الوقت الشاعرة منحى آخر ،إذ تشرع في إعادة تكوين الذات
وصلت إلى البعيد والحياة والبشر والطبيعة وفق حكايتها التي نسجتها،
وكأن ما سبق من محكيات شعرية في قصائد الديوان
وتلاشت المتعددة قد أقنعت الذات الشاعرة بإعادة النظر مرة
تحت إضاءة خافتة» ص.148 ،147 أخرى في أشياء كثيرة ،وأن التغلب على متاهة الحياة
إن عدة مكونات في القصيدة ،تكشف مقصدية الكاتبة وانشطارها يقتضي إعادة خلق كل شيء من جديد
ذات الطابع الإنساني ،فالنص بلغته المكثفة ،الموحية، اعتما ًدا على رؤية ذاتية مغايرة كونتها عبر مشاهد
ومشاهده ومحكياته الشعرية المتقاطعة يتوخى القصيدة الشعرية ،ومن خلال حوار مع الذات،
ملامسة أسئلة وجودية تتخذ من حياة الذات الشاعرة تقتنع الذات الشاعرة بحكايتها ،وبأن أفضل طريقة
وسيلة لطرح شروط الحياة المتأرجحة بين الحضور للاستمرار في هذه الدنيا ،هي أن تعود إلى ما يكون
جوهر فرديتها .تقول في قصيدة «حتى إشعار آخر»:
والغياب.
«في ساحة المعركة
ختا ًما.. سنترك الحرب وحيدة
إن ديوان «مقهى لا يعرفه أحد» يتخذ شكل تداعيات لتنزف دمها القديم
ذاتية للذات الشاعرة مسترسلة داخل أعماقها ،والتي وذكرياتها الجريحة
تنتحل لنفسها صفات أناس عديدين مأزومين، سنترك عظامها
وغيرهم يتشبعون بروح المقاومة ،ولا يعترفون بعض ونسرع بالخروج
الوقت بالانهزامية .و ُتسعف الكتابة المكثفة في الديوان وحين نستعد للقفز بالمظلات
على توفير إيقاع متناغم يحول النصوص إلى حوارية سنغلق الباب خلفنا
بين الذات والذات ،وبينها وبين العالم الخارجي ،وما ونذهب إلى الحفل
بابتسامة تليق بالحرب،
يستثيره الوجود من أسئلة تعمق سؤال الهوية لدى التي تركناها تنزف
الذات الشاعرة فيما يتعلق باغترابها وحضورها، في بداية تلك القصيدة!» ص.140 ،139
من هذه الزاوية يمكن اعتبار القصيدة محكيًّا شعر ًّيا،
هزائمها المتكررة ونجاتها .كذلك تضطلع اللغة ،بوظيفة يتخطى انكسارات الماضي ،جاع ًل صوت الذات يتعالى
المجاز الشعري إلى جانب الترميز والالتباس المكتنز من خلال نغمة الاستشراف إلى مستقبل أفضل،
لأكثر من دلالة قد تكون دالة وموحية من خلال يتطلع إلى الاستعداد للقفز بالمظلات ،وغلق الأبواب،
مشاهد شعرية متعددة ومتراكبة ثم الذهاب إلى الحفل بابتسامة تليق بالحرب السابقة
المشتعلة في النفس ،والنازفة في بداية القصيدة .تقول
الهوامش: في قصيدة «زاوية»:
-ناقد وأكاديمي مصري. «في ركن بعيد
-1زيزي شوشة ،ديوان (مقهى لا يعرفه أحد)،
الهيئة المصرية العامة للكتاب ،سلسلة كتابات جديدة،
.2020