Page 134 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 134

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪132‬‬

                                                     ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

                               ‫له حروف تجر ُح‬                       ‫ستعرفونني من الحكاية الناضجة‪،‬‬
                           ‫كأصابع أبي القاسية‪،‬‬                                          ‫فوق جسدي‬
                          ‫هذا المقهى يشبه اسمي‬
                                                                               ‫لا تقيدوني باسم جديد‬
                             ‫الذي لا يعرفه أحد‪،‬‬                                ‫اتركوني تحت الشمس‬
                             ‫كن ُت أخفيه ك َّل ليلة‬                        ‫دعوا النهار يخترق جسدي‬
 ‫إن صورة الأب في مخيلة الذات الشاعرة ما زالت‬
      ‫صورة ذات بعد سلبي؛ فهو قاسي لا يعرف‬                                                  ‫يهدم بيتًا‬
  ‫الرحمة‪ ،‬يديه تجرح‪ ،‬فالحروف الجارحة المذكورة‬                                           ‫يحت ُّل عظامي‬
   ‫في المقطع الشعري السابق هي أدوات القهر التي‬                                    ‫يج ِّف ُف قطرات المطر‬
   ‫تستخدمها السلطة الذكورية لإحكام الهيمنة على‬                                ‫يمحو الضباب عن عيني‬
      ‫الذات الأنثوية‪ ،‬هي التي تكبل حركتها‪ ،‬والتي‬                                    ‫اتركوني مجهول ًة‬
    ‫تسعى للتخلص منها والتمرد عليها‪ .‬إن صورة‬                                        ‫منزوعة من الحياة‬
    ‫الأب في المقطع السابق تظهر حجم المعاناة التي‬                             ‫خفيفة مثل ورقة بيضاء‪،‬‬
     ‫عانتها الذات الأنثوية مع أبيها الفعلي والرمزي‬                                ‫ر ّبما حملتها الريح‪،‬‬
   ‫(الأب الحقيقي والأب الرمزي‪ /‬النظام الذكوري‬                                       ‫إلى بداية الأرض‪.‬‬
 ‫المجتمعي) ولم تستطع مواجهته على أرض الواقع‪،‬‬             ‫وتعيد الذات الأنثوية إنتاج خطاب الأب المتسلط‬
‫فباحت بما يدور في ذهنها نحوه في الفضاء المتخيل‪،‬‬         ‫القوي القاسي مع الأنثى ‪-‬الذي يرمز إلى النظام‬
‫لتفرغ شحناتها النفسية المكبوتة من خلال صورها‬         ‫الأبوي المجتمعي المهيمن ثقافيًّا‪ -‬في موضع آخر في‬
‫الفنية ولغتها الشعرية‪ ،‬فهذا النظام الذكوري جعلها‬     ‫قصيدة «مقهى لا يعرفه أحد»‪ ،‬وتربط فيه أي ًضا بين‬
   ‫تشعر بالتهميش‪ ،‬فأصبحت مثل مقهى لا يعرفه‬                 ‫الأب وفعل التسمية‪ /‬تحديد الهوية‪ ،‬إذ تقول‪:‬‬
‫أحد‪ ،‬والمقهى هنا يمثل المعادل الموضوعي للشاعرة‪،‬‬                     ‫لا أستطيع أن أنطق اسمه بسهولة‪،‬‬
    ‫وحرصها على جعله مجهو ًل لا يعرفه أحد؛ كي‬
          ‫يمثل ذاتها المجهولة التي لا يعرفها أحد‪.‬‬                                           ‫إنه طويل‬
    ‫وتحرص الشاعرة أن‬                                                   ‫مثل الطرق التي قطعتها وحدي‪،‬‬
   ‫تؤكد الصورة السلبية‬
      ‫للأب داخل ديوانها‬                                                   ‫مج َّع ٌد وشائ ٌك كوجه المدينة‪،‬‬
  ‫فتخبرنا في موضع آخر‬
  ‫أنها تفكر في الكتابة عن‬
‫بنت تعيش حياة مأساوية‬
  ‫كان الأب صاحب الدور‬
     ‫الأكبر في صنع هذه‬
                ‫المأساة‪:‬‬
   ‫أفكر أي ًضا في أن أكتب‬
‫عن بن ٍت تجلس وحيدة في‬
                 ‫المقهى‪،‬‬
  ‫واضع ًة قدميها في وجه‬
                  ‫العالم‪،‬‬
       ‫تحكي لي حكايات‬
      ‫مأساوية عن أبيها‪،‬‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139