Page 135 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 135

‫نون النسوة ‪1 3 3‬‬                                                                         ‫الذي هجرهم‬
                                                        ‫وإذا ما كان دال الذكر في المقطع الشعري السابق‬
                        ‫اختر ُت أن أكون مجهول ًة‪،‬‬
            ‫في كل مرة يسألني أحدهم عن اسمي‪،‬‬                 ‫ما زال يحيل إلى نسق القهر والتسلط (النظام‬
                                                         ‫الأبوي)‪ ،‬الذي يسبب الأزمات للأنثى‪ ،‬ويحرمها‬
                         ‫أقع تحت غواية الكلمات‪،‬‬         ‫من طموحاتها وحقوقها‪ ،‬فإن البنت في هذا المقطع‬
                              ‫أتلبس اس ًما بعي ًدا‪،‬‬    ‫دال توظفه الشاعرة ليحيل على ذات أنثوية مأزومة‬
                                                      ‫لكنها تقف ثابتة في وجه العالم بأكمله؛ فهي متمردة‬
                           ‫وبعد أن ينتهي المشهد‬         ‫على واقعها تسعى لتشكيل ذاتها بدون حاجة لهذا‬
                 ‫أضع الاسم الوهمي تحت قدمي‪،‬‬              ‫العالم لكي يش ّكله لها‪ ،‬فوصفها المرأة بأنها تضع‬

                          ‫حتى أصير حرة تما ًما‪.‬‬            ‫قدميها في وجه العالم هو وصف يدل على أنها‬
        ‫وهذا يعني أن الذات المبدعة الأنثوية تسعى‬         ‫تتحدث عن مرأة ذات شخصية مستقلة وكينونة‬
     ‫لاكتشاف هويتها من خلال الخروج عنها‪ ،‬إنها‬            ‫خاصة‪ ،‬مرأة تسعى للانعتاق من النظرة الدونية‬
   ‫تحاول الهروب من كل ما يحيط بها‪ ،‬لتجد ذاتها‪،‬‬        ‫التي ارتبطت بها في فكر العالم‪ ،‬هذه الفكرة هي التي‬
 ‫إنها ترى باستمرار أنها موضوعة في مكان لا تمت‬            ‫جعلت المرأة الوحيدة التي تجلس في المقهى تدرك‬
‫له بصلة‪ ،‬أن الآخرين يتعاملون معها بشكل لا يليق‬         ‫ذاتها من خلال الوعي بأن لديها القدرة كي تصنع‬
 ‫بها‪ ،‬لأنه لا يعبر عن كينونتها الحقيقية التي تشعر‬
   ‫بها‪ ،‬والتي تتمنى أن تجدها لتتحد معها‪ ،‬ومن ث َّم‬         ‫لنفسها كيا ًنا مستق ًل إبداعيًّا وثقافيًّا منف ًكا عن‬
                                                       ‫تسلط الرجل وذكوريته المجحفة في حقها وكيانها‪،‬‬
            ‫يصبح لها كينونة جديدة ترضى عنها‪:‬‬
                               ‫أسير بحذاء أعمى‬            ‫هذا الرجل الذي يقهرها ويحلم بموتها ويجعلها‬
                                                                           ‫تعيش في حالة حزن شديدة‪:‬‬
                ‫وملابس لا تربطني بها صلة قوية‬                                                   ‫أكت ُب‬
                       ‫أقطف الوهم من الشوارع‪،‬‬                               ‫كل يوم كأنني سأموت غ ًدا‬
                                                                                   ‫لكنني لا أقول شيئًا‬
                     ‫ثم أدخل المقهى بجسد متها ٍو‬                               ‫لا أستطيع أن أحكي ل َك‪،‬‬
                     ‫ولأنني أحب أن أف ِّرغ نفسي‬                                ‫عن رجل انتزع جذوري‬
                                                                                    ‫وآخ َر يحل ُم بجثتي‬
                                 ‫من كل الأوهام‬                                           ‫وامرأة أحبها‬
                               ‫التي علقت بذيلي‪،‬‬                               ‫إلى أقصى درجات الحزن‬
                       ‫أبحث عن آخر لا يعرفني‪،‬‬
                          ‫لنجل َس م ًعا على الحافة‪،‬‬       ‫وإذا ما عدنا إلى المقطع الشعري الأسبق سنجد‬
                                                           ‫أن عدم تسمية البنت فيه أو تعيينها عن طريق‬
                                       ‫أحكي له‬            ‫صفات معينة يحيلنا مرة أخرى إلى رغبة الذات‬
      ‫انطلا ًقا م ّما تق َّدم نستطيع أن نقول إن زيزي‬      ‫الشاعرة إلى الهروب من تحديد الهوية‪ .‬وهو ما‬
 ‫شوشة في هذا الديوان تعبر عن ذات أنثوية تعيش‬            ‫يعيدنا إلى دال الاسم الذي توظفه الشاعرة بعناية‬
     ‫أزمة نفسية وذهنية حادة مع الآخر‪ /‬الرجل‪/‬‬            ‫وبشكل مكثف داخل ديوانها لتحيل به على مدلول‬
  ‫المجتمع‪ /‬الواقع السيئ‪ ،‬الذي يفرض عليها هوية‬             ‫الهوية المقيدة التي تسعى الشاعرة للهروب منه‬
     ‫محددة وأسلوب تعامل معين‪ ،‬تسعى للهروب‬             ‫والتمرد عليه بكل السبل فتارة تسقطه‪ ،‬وتارة ثانية‬
   ‫منه إما عن طريق تمني الموت أو محاولة صياغة‬           ‫تخفيه‪ ،‬وثالثة تبدله‪ ،‬فهي تحب أن تكون مجهولة‬
 ‫هوية جديدة تتعامل بها مع هذا الآخر‪ .‬وقد أحالتنا‬        ‫لا معلومة للآخرين طالما أن هناك من يجبرها على‬
    ‫الدوال الموجودة في ثنايا الديوان إلى هذا الأمر‪.‬‬      ‫تحديد هويتها بشكل لا ترضاه‪ ،‬فالذات الحرة لا‬
‫وبالتالي أصبحت قصائد الديوان أداة تعبيرية تبوح‬
     ‫بها الشاعرة عن أزمتها مع نظام معرفي يرتبط‬                                          ‫تقبل التسمية‪:‬‬
       ‫بمجتمع ذكوري أوقعها في حالة تأزم حادة‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140