Page 285 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 285
283
التونسية وموسيقى شرق المغرب، والموالد الخيالة الممتطون جيادهم سبقنا الأوروبيين في ذلك ،وتشهد
وما تحمله من إيقاعات ومقامات في رشاقة وخفه وخطوات تتناسب على ذلك النقوش والرسومات
وألحان بلا غناء ،كان لها تأثير
كبير في موسيقانا وموسيقى بلاد مع الإيقاعات القوية التي يؤديها القديمة على جدران المعابد والمقابر
الشرق العربي والأتراك. العازفون. لعازفين ليس من بينهم من
بالطبع لا يمكننا أن نقارن بين هذا طوال القرون الماضية كانت هناك يقوم بالغناء ،وهذا يدل على أنهم
النوع من الموسيقى التي لا ترتبط فرق موسيقية رسمية يطلق عليها يقومون بأداء موسيقى بدون
بالكلمة مباشرة وما وصلت إليه غناء.
أوروبا في مجال موسيقى الآلات الطبلخانة التي كانت تتكون من ويشهد على ذلك أي ًضا الصورة
منذ مطلع عصر الباروك في بداية طبول ومزامير ،وكانت تقوم التي نراها دائ ًما ولم تذهب عن
القرن السابع عشر وما تلاه من
بأداء موسيقي فقط في المناسبات ذاكرتنا منذ مئات السنين والتي
عصور ،إلا انه يمكن القول إن الرسمية والأعياد .كما إن الأجواء نشهدها من شمال الدلتا إلى
لدينا نو ًعا من الموسيقى المستقلة المصرية والعربية الشرقية مليئة
أقصى الجنوب في القرية وبالقرب
عن الغناء. بالموسيقى الصوفية منذ نشأة من المدينة ،وهي الفلاح الذي
في خمسينيات القرن الماضي وقت الصوفية ،والتي لا تحمل معظمها يعزف على آلة الناي بفطرته
أي نصوص دينية .إذن لماذا نشأت
صدور الكتاب الناقد «التعبير دون أدنى قدر من العلم ،يؤدى
الموسيقي» لأستاذنا د.فؤاد زكريا، لدينا أشكال من قوالب التأليف ألحا ًنا تلقائيَّة فطر َّية شجيَّة
الموسيقي المختلفة مثل البشارف
كان لدينا بالفعل موسيقى بحتة تمس أحاسيس البشر وقلوبهم،
لا علاقة لها بالشعر أو الأغاني واللونجا والسماعيات ،إلا لأنه وتضفى سح ًرا خا ًّصا في الأجواء
كانت هناك أصول لها من أداء من حولها ،فهناك تلاحم مباشر
أو الكلمة عمو ًما ،فكانت لدينا
مجموعة كبيرة ج ًّدا من المؤلفات موسيقى بلا غناء. بين العازف وآلته التي يصدر
حينما كانت تمر قوافل القبائل صوتها من خلال الهواء الخارج
الموسيقية ،سواء للأوركسترا المغاربية للتجارة أو لأداء فريضة من بين شفتي العازف مباشرة
أو للآلات المنفردة ،التي تحاكي الحج بأرض مصر حاملة معها إلى الآلة ،فكل ما تحمله أنفاسه من
الصياغات الأوروبية في صياغتها موسيقاها التي كانت تقوم على نبض وأحاسيس وخلجات يصل
وتراكيبها وبنائها ،وهي لمجموعة عناصر وضروب إيقاعية خاصة
من المؤلفين المصريين الذين أطلقنا بهم ،كان المصريون يستوعبون قلب السامع دون أي نوع من
عليهم الجيل الأول من المؤلفين هذه الموسيقى وينقلونها ويؤدونها الوساطة .وبرغم أنه لا تصاحبه
المصريين القوميين ،وهم حسب عنهم لفترات طويلة ،ثم بعد ذلك كلمات ،لكنه يحمل طابع التعبير
الترتيب التاريخي يوسف جريس كانوا بدورهم يضيفون إليها ما
وأبو بكر خيرت وحسن أحمد يتناسب من النصوص الشعبية الغنائي العاطفي .ويمكننا أن
والدينية ،فنشأ ما يسمى بالغناء نحسبه نو ًعا من أنواع التعبير
رشيد وبهيجة رشيد ومحمد الشعبي ،وحلقات الذكر وغناء
حسن الشجاعي وأحمد عبيد. الموالد والمناسبات الدينية وغيرها. الموسيقي الخالص.
أليس كل ما أوردنا من أمثلة وهناك في الريف المصري والأحياء
عديدة وعلى فترات متباينة دلي ًل ومن المعروف أن الموسيقى
على أننا كنا نمتلك فى هذا الوقت المغاربية قد انتقلت إلى بلاد الشعبية ِفر ًقا للآلات الشعبية
إبدا ًعا موسيقيًّا تجريد ًّيا بحتًا الأندلس ،وعادت إليها بعد ذلك في المكونة من عازفي الربابة والناي
بعي ًدا عن الشعر والغناء وكل أثواب وأشكال جديدة ،وهذا هو
ما تم نقله إلى مصر وبلاد الشرق والعفاطة والمزمار والأرغول
الأشكال الأدبية؟ العربي وإلى تركيا ،فالموسيقى والطبول بأنواعها المختلفة ،وهذه
المغاربية ،وعلى وجه الخصوص
الفرق تقدم الأغاني الشعبية
وأي ًضا الألحان الشعبية بدون
غناء ،يتراقص ويتمايل عليها
في المناسبات المختلفة كالأعراس