Page 280 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 280

‫أن تحل موسيقى أغنية حزينة‬           ‫فن الغناء بدأ وحي ًدا‪ ،‬ثم ارتبط بعد‬
 ‫محل موسيقى أغنية مرحة‪ ،‬دون‬              ‫ذلك بالموسيقى لعصور طويلة في‬
                                          ‫أوروبا‪ ،‬حتى جاء عصر الباروك (نحو‬
   ‫الشعور بأي تنافر بين الكلمات‬         ‫عام ‪ 1600‬إلى ‪ ،)1750‬وهي الحقبة‬
                      ‫والألحان!‬           ‫التي تبلورت فيها القوالب والصيغ‬

      ‫وليس هنا مجال الحكم على‬              ‫الموسيقية بشكل عام‪ .‬وفي هذا‬
       ‫العنصر الكلامي في الأغنية‬      ‫العصر بدأ الاتجاه بقوة نحو الاهتمام‬
  ‫الشرقية‪ ،‬ما دام هدفنا هو بحث‬       ‫بموسيقى الآلات الخالصة‪ ،‬بعد أن مرت‬
      ‫الموسيقى ذاتها‪ .‬وحسبنا أن‬      ‫بتجارب طويلة إلى أن استقلت عن فن‬
 ‫نشير هنا إلى ما يمكن أن يلاحظه‬
    ‫أي ذهن مدقق على معاني هذه‬                       ‫الغناء وتحررت منه تما ًما!‬
 ‫الأغنيات من رومانتيكية ساذجة‪،‬‬
     ‫واهتمام مفرط بمشكلة الحب‬              ‫الموسيقى التي صيغت فيها‪.‬‬           ‫موسيقى خالصة‪ ،‬فلن تجد إلا‬
      ‫يعبر عن التعقيدات الجنسية‬      ‫والحق أن لدينا من الأغنيات ما لا‬       ‫محاولات بدائية قصيرة خفيفة‪،‬‬
    ‫التي تعانيها أجيالنا الحالية في‬  ‫ينتشر إلا بفضل إعجاب السامعين‬        ‫لا تعبر عن شيء‪ ،‬وليس لها شأن‬
‫الشرق أوضح تعبير‪ ،‬بل يزيد هذه‬         ‫بألفاظها‪ ،‬أو تقديسهم لمعانيها‪ ،‬في‬      ‫يذكر بجانب الأغاني‪ ،‬ولا تؤثر‬
  ‫التعقيدات بالتنبيه إليها والإلحاح‬   ‫الوقت الذي تصل فيه نغماتها إلى‬          ‫على الجمهور أدنى تأثير‪ ،‬رغم‬
 ‫عليها‪ ،‬كل هذا في قالب يغلب عليه‬     ‫أقصى درجات السذاجة والإملال!‬            ‫سهولة فهمه لها‪ ،‬إذ أنها بدون‬
  ‫الحزن واليأس‪ ،‬ويعكس ما ظلت‬                                                 ‫كلمات الأغنية عاجزة تما ًما‪ .‬بل‬
‫شعوبنا الشرقية تعانيه طوي ًل من‬              ‫فحين نتحدث إذن عن فن‬         ‫لقد كنا‪ ،‬حتى الأمس القريب‪ ،‬نطلق‬
‫حرمان‪ ،‬وما خدعت به من تزييف‬               ‫الموسيقى الشرقية‪ ،‬ينبغي أن‬        ‫على الموسيقى الخالصة اس ًما ذا‬
      ‫لأهداف الحياة‪ ،‬حتى أصبح‬          ‫نذكر دائ ًما أن هذا الفن لم يصل‬    ‫دلالة عميقة‪ ،‬وهو اسم «الموسيقى‬
 ‫محترفو الموسيقى عندنا يتبارون‬           ‫بعد إلى درجة الاكتفاء الذاتي‪،‬‬    ‫الصامتة»! كأن الموسيقى بطبيعتها‬
 ‫في التأوه والتباكي‪ ،‬وتقاس مكانة‬      ‫وأنه ما زال فنًّا للأغاني‪ ،‬كما كان‬
   ‫كل منهم تبعا لمقدار ما يستطيع‬        ‫الحال في الموسيقى الغربية منذ‬          ‫يجب أن تكون كلامية لتكون‬
                                      ‫ما يقرب من أربعمائة عام! فنحن‬        ‫«ناطقة»‪ ،‬وكأن الموسيقى وحدها‬
           ‫استدراره من الدموع!‬         ‫نستعين بالألفاظ دائ ًما في تذوق‬
     ‫فعالمنا الموسيقي إذن ينحصر‬      ‫الموسيقى‪ ،‬وفي إضفاء معنى عليها‪،‬‬          ‫فن أخرس‪ ،‬وأصواتها المتعددة‬
   ‫في نطاق ضيق للغاية‪ ،‬هو نطاق‬         ‫ما دامت موسيقانا الخالصة‪ ،‬إن‬       ‫بأسرها «صامتة» إن لم تصاحبها‬
     ‫الأغنية‪ ،‬وحتى في هذا النطاق‬       ‫وجدت‪ ،‬خالية من كل معنى‪ .‬بل‬
‫الضيق لا تؤدي الموسيقى وظيفتها‬          ‫إن وحدة الهدف بين الموسيقى‬             ‫كلمات الأغنية!! ولا جدال في‬
 ‫الصحيحة على الإطلاق»‪ .‬وإلى هنا‬       ‫والكلمات في الأغنية الواحدة تكاد‬       ‫أن اعتماد الموسيقى على الأغنية‬
‫ينتهي كلام أستاذنا د‪.‬فؤاد زكريا‪.‬‬     ‫تكون مفقودة‪ ،‬إذ إن تلحين الأغنية‬     ‫وحدها هو أوضح مظاهر تأخرها‪،‬‬
   ‫مع اتفاقنا الكامل لكل ما طرحه‬       ‫يصلح لأية أغنية إذا اتفقت معها‬        ‫إذ إن الأغنية بطبيعتها محدودة‬
     ‫أستاذنا الجليل‪ ،‬إلا أن لي هنا‬      ‫في الوزن الشعري‪ ،‬ومن الممكن‬          ‫المجال‪ ،‬تكفي الكلمات فيها ‪-‬في‬
   ‫مداخلة أورد فيها أسباب ظهور‬                                                ‫كثير من الأحيان‪ -‬للتأثير على‬
    ‫وارتقاء الموسيقى الخالصة في‬                                               ‫السامعين‪ ،‬مهما كانت سذاجة‬
   ‫أوروبا‪ ،‬والأسباب التي أدت إلى‬
‫عكس ذلك في بلادنا وبلاد المشرق‬
     ‫والمغرب العربي‪ ،‬حتى تكتمل‬
   ‫الصورة أمام القارئ بالمسببات‬
   275   276   277   278   279   280   281   282   283   284   285