Page 283 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 283
281 ثقافات وفنون
موسيقى
غريبة عنهم ،فبدأ الأدب يزدهر الأدب في حياتنا عمو ًما والشعر نرى أن هذه الظروف كانت داف ًعا
إلى أن أصبح المجتمع المصري في حياتنا الموسيقية ،أن العرب قو ًّيا إلى أن يتجه الموسيقيون إلى
على وجه التحديد في الربع الأول يعشقون منذ القدم فنون الكلمة تأليف وأداء ما يسمى بموسيقى
من القرن العشرين بوتقة تنصهر من شعر ونثر وحكايات .وكل الآلات حتى يتخلصوا من اضطهاد
فيها الحياة الشرقية والحضارة ما يشتمل عليه الأدب من أشكال
الغربية ،فكان الأدب هو محور هذا مختلفة ،القديم منها والمستحدث. الكنيسة.
الانصهار ،أو هذا الصراع إن جاز فالعرب وكما هو معروف عنهم كما وإننا نرى أن هناك سببًا
التعبير ،في أغلب الأحيان من حيث جوهر ًّيا آخر لازدهار موسيقى
منذ عصور الجاهلية اهتموا
اتجاهاته شع ًرا ونث ًرا. بالشعر والأدب وأصبحا جز ًءا الآلات في أوروبا وهو أن
من هنا يتبين لنا أهمية الكلمة في من حياتهم حتى قيل إنهم قوم الأوربيين أخذوا في تطوير الآلات
حياتنا كعرب منذ زمن بعيد ،فليس أصحاب ُلسن وفصاحة وبلاغه
غريبًا أن تظل موسيقانا مرتبطة الموسيقية البدائية ،وهذا ما لم
بالكلمة ،ولو أن هذا لا يمثل عيبًا وبيان. يحدث عندنا ،وصنعوا منها أنوا ًعا
وقد بلغ اهتمامهم وعشقهم
وتخل ًفا في موسيقانا كما ادعى لفنون الكلمة درجة كبيرة ،حتى عديدة مختلفة متباينة في طبائع
د.فؤاد زكريا. أن الخلفاء في فترات مختلفة أصواتها ،فكانت هناك مادة ثرية
كانوا أنفسهم من أبرز الشعراء
منذ أن وقعت مصر عام 1517م العرب .فالأدب والشعر على وجه يمكن الإبداع من خلالها بنوع
في حوزة الدولة العثمانية التي التحديد ارتبطا بالحياة عند العرب من التعبير الموسيقى المستقل عن
وصورها في كل مراحلها ،فالأدب
وضعت نظا ًما جدي ًدا للحكم الجاهلي كما قال النقاد كان مرآة الكلمة.
في مصر ،كان لهذا النظام في حياة العرب في ذلك الزمان، كل تلك كانت أسباب مهمة في أن
عهد الولاة العثمانيين والبكوات فصور أيامهم وتفاصيل حياتهم سبقنا الغرب في هذا المجال ،مع أن
والمماليك أث ًرا كبي ًرا في تقهقرها و ُمثلهم العليا وعواطفهم ،ثم جاء ما توصلوا إليه في صناعة الآلات
واضمحلالها ،فمنذ الخضوع العصر الإسلامي ،فصوره لنا
للحكم العثماني ترك المصريون شعر جرير والفرزدق والأخطل الموسيقية من تعدد في أنواعها
معارفهم ومعارف العرب تسقط وغيرهم .كذلك كان شأن الأدب ودقة في صناعتها كان مصدره
في هوة الإهمال والنسيان ،كما في العصر العباسي ،وقد انعكس
كانوا لا يتمتعون بحرية أن ما زخر به من ألوان الترف في الآلات الموسيقية البدائية في
يقاوموا صنوف القهر الواقع قصائد الشعراء ،وتلك الثقافة الحضارات الشرقية القديمة.
عليهم طوال هذه الفترة ،ولم الشاملة في أدب الجاحظ ،وفى أما ارتباط الموسيقى بالكلمة -أو
تكن حياتهم الاجتماعية سوى شعر أبى نواس وعند غيرهما من بالأحرى بالغناء -في بلادنا منذ
عبودية قاسية تبعث على الشعور شعراء هذا العصر وأدبائه ،توضح زمن بعيد وحتى الآن فلا يعنى
بالخزي الذي آلو إليه بسبب مدى الرقي الذي وصلوا إليه أيام أنه ليست لدينا موسيقى نعبر من
ضعف حكامهم ،الذين تركوهم خلالها دون اللجوء إلى الكلمة،
نهبًا للمظالم التي يجرها الطغيان العباسيين. وهو ليس دلي ًل قاط ًعا على تخلف
الذي يمارسه البكوات المماليك. حتى في عصور الانحطاط كان القدرات الموسيقية لدينا .فما
أما بالنسبة للموسيقى؛ فمع أنها الأدب صورة للحياة الفقيرة، نطلق عليه كلمة (الأغنية) ،وهو
ف ٌّن من الفنون التي ازدهرت في واستمر ذلك إلى أن بدأت النهضة ما انتشر في بلادنا وأنحاء العالم
مصر كثي ًرا في عهد البطالمة وفى تزدهر في القرن التاسع عشر اليوم بشكل لم يكن له مثيل من
عهد الرومان ثم في عهد الخلفاء حين واجه العرب ثقافة أوروبية قبل ،هو مجرد أحد أشكال التعبير
المسلمين ،ولا سيما في عهد عمو ًما ،واستمرار هذا النوع
وبشكل مطرد ومتزايد له أسباب
ومرجعيات تاريخية بالنسبة إلى
العرب في الشرق.
من أهم أسباب الدور الذي لعبه

