Page 278 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 278

‫العـدد ‪30‬‬                                                                                                                                                   ‫‪276‬‬

                                         ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

‫الخلود‪ ،‬ليس عن طريق الحروب‪،‬‬                ‫ووحش ًة وشو ًقا‪ ،‬وتب ًعا للمثالب‬                                                                               ‫هذه الملحمة‪ ،‬حيث القدرة على‬
   ‫ولكن بتحول مجريات التاريخ‬                              ‫تصير الإلياذة‪:‬‬
       ‫وأحداثه إلى شعر‪ ،‬يضمن‬                                                                                                                              ‫تغيير كل الأمكنة‪ ،‬ومنها أمكنة‬
                                             ‫“ َغ ْي َمة‪ِ ،‬م ْن َخ ْل ِفها كان ِت الآلهة‬
‫استمرارية الحياة وخلودها‪ .‬فمن‬              ‫َُِتبم ِدَِرتييىُر ِشالهشااُّ‪،‬ط َءوفحتات َلِنَىت‪ْ ،‬كلنِاو ُتََي ْسطْكلِاُبلَقرَب اَلسطاُيُحِتَو ْيزرَ ُننهافي‬  ‫الطفولة‪ ،‬من الشر إلى الخير‪،‬‬
   ‫العدم يتقوى الوجود‪ ،‬وتتحقق‬
                                             ‫ال َّش َجر‪ ،‬وال َف َرح َي َتوا َرى َخ ْل َف‬                                                                  ‫والشعر ينبع في الشر حسب‬
‫أبدية الإقامة في الجمال‪ ،‬وتنمحي‬            ‫أ ْغ َصان ال َغا َب ِة الم ْح ِد َقة بال َب ْحر”‪.‬‬
   ‫المثالب‪ ،‬وهكذا يحقق الإنسان‪،‬‬                                                                                                                           ‫الأصمعي‪ ،‬ولكنه ينتهي بالخير‪،‬‬
                                                              ‫(ص‪)295‬‬
 ‫خلود الإنسان‪ ،‬بالتم ُّيز والتَّف ُّرد‪،‬‬   ‫وبتحويل “الإلياذة” إلى عصرنا‪،‬‬                                                                                   ‫ليس بالمعنى الميتافيزيقي‪ ،‬ولكن‬
   ‫والبعد عن النمطية‪ ،‬لأن الشعر‬             ‫يسعى ال َّشاعر إلى إحياء جذور‬
   ‫مثل السحاب‪ ،‬تصطدم سحابة‬               ‫ال ِّشعر‪ ،‬برفع الحزن عن الأشجار‪،‬‬                                                                                 ‫الإيتيقي‪ ،‬ليبهج النفوس‪ ،‬بجوهر‬
‫بسحابة‪ ،‬فيأتي الصوت والصدى‬               ‫وتعويضه بألم الكتابة‪ ،‬كما لو أننا‬                                                                                ‫ال ِّشعر سواء انغلقت الدائرة‪ ،‬أم‬
‫والضوء‪ ،‬ويكون ماء ال ِّشعر‪ ،‬بد ًءا‬
 ‫من هوميروس‪ ،‬إلى لحظات جمع‬                      ‫نتذوق عذابات مالدورور‪.‬‬                                                                                                                               ‫انفرجت‪:‬‬
                                           ‫في “هلاس الأوقيانوس”‪ :‬تتغير‬                                                                                                                         ‫“ال ِّشعر ِس ْحر‪،‬‬
     ‫الأحداث‪ ،‬وزرعها من جديد‪.‬‬              ‫خطوات الزمان‪ ،‬ليصبح شي ًخا‪،‬‬                                                                                    ‫َي ْع ِمي‬         ‫ما‬          ‫في ِه‬  ‫و ُج ْر ُح اللِّسا ِن‬
   ‫الشاعر صلاح بوسريف‪ ،‬شق‬                   ‫كله حكم وتجارب وخبرات في‬
   ‫طري ًقا‪ /‬طر ًقا منفردة متفردة‪،‬‬                                                                                                                                           ‫الإنسان”‪( .‬ص‪)74‬‬
   ‫لا تكتفي بالقصيدة‪ ،‬بل تدهب‬                 ‫الحياة‪ ،‬وكل جملة يقولها أو‬
                                         ‫يدونها‪ ،‬تثير الانتباه‪ ،‬وتتحول إلى‬                                                                                ‫كل المقاطع شعرية‪ ،‬حتى ال ِّسهام‬
     ‫إلى النص أو العمل ال ِّشعري‬         ‫أسئلة حول الحياة وما فيها‪ ،‬ومن‬                                                                                     ‫وال َّدوا ِئر والإشارات وال ُّرموز‪،‬‬
     ‫الطويل‪ ،‬ذي النفس الملحمي‪،‬‬            ‫جيب الزمان ينبثق الوقت جوا ًبا‪:‬‬
‫الذي يفتح جيو ًبا وروافد متعددة‬                                                                                                                           ‫بفعل قلق التأثر والتأثير‪ ،‬أي أ َّن‬
    ‫ومتنوعة‪ ،‬تتكيء على خلفيات‬                       ‫“س َأ َل با ِئ ٌع هيراقلي َط‪:‬‬                                                                         ‫شعرية هوميروس تتح َّقق‪ ،‬هنا‪،‬‬
‫معرفية وتجربة إبداعية وفلسفية‪،‬‬                              ‫‪ -‬ما ال َو ْقت؟‬
    ‫أي الجمع بين القلب والعقل‪،‬‬                                    ‫أجا َب‪:‬‬                                                                                 ‫وتخلد‪ ،‬بالظل والصمت والبياض‬
   ‫وتحويل ما استقر في الذاكرة‪،‬‬                                ‫ِط ْف ٌل َي ْل ُهو‪،‬‬                                                                         ‫وبالرمز‪ ،‬من ِق َبل الشاعر صلاح‬
 ‫إلى بعث جديد‪ ،‬يلقي بقلق التأثر‬                                                                                                                           ‫بوسريف‪ ،‬حيث يتحول هذا العمل‬
  ‫من اللاحق إلى السالف‪ ،‬ليحيى‬                   ‫َي ْد َف ُع ال َب َيا ِد َق في الا ْنبِ َسا ِط‬
                                                              ‫وال َف ْو َضى‪،‬‬                                                                              ‫إلى سيرة غيرية‪ ،‬تتضمن كل ما‬
               ‫ويخلق من جديد‬                                  ‫‪ -‬والنَّاس؟‬
                                                                                                                                                          ‫هو ذاتي‪ ،‬بتعبير ليفيناس‪.‬‬
                                                           ‫‪ -‬آلهة َفا ُنون‪.‬‬
                                                            ‫والآلهة إذن؟‬                                                                                  ‫تتجلى بلاغة الصمت‪ ،‬في الصمت‬
                                            ‫‪ -‬أنا ُس خالِ ُدون”‪( .‬ص‪)257‬‬
                                            ‫هذه النتيجة‪ ،‬تؤكد استمرارية‬                                                                                                     ‫نفسه‪ ،‬انطلا ًقا من الجمل‬

                                                                                                                                                                                        ‫والتعابير نفسها‪:‬‬
                                                                                                                                                                                         ‫َأ َب ًدا‪،‬‬  ‫“النَّ ْو ُم َل ْيس‬
                                                                                                                                                          ‫بال ُّظ ْل َم ِة‬  ‫أ ْفلا ُكه‬  ‫َت ُدو َر‬    ‫وال ُوجو ُد َل ْن‬

                                                                                                                                                                            ‫بلا نور”‪( .‬ص‪)196‬‬

                                                                                                                                                          ‫حيث التقديم والتأخير‪ ،‬في بناء‬

                                                                                                                                                          ‫الجملة‪ ،‬ثم المجاز‪ ،‬والوصل‬

                                                                                                                                                          ‫والفصل‪ ،‬ثم الاستعارة‪ ،‬مما‬
                                                                                                                                                          ‫يسعف في توفر المشروع ال ِّشعري‬

                                                                                                                                                          ‫على آبار تأويلية‪ ،‬تزداد عم ًقا‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283