Page 94 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 94
العـدد 30 92
يونيو ٢٠٢1
الفلاحون مالكو تلك الأراضي والبيوت ،كلهم ول ُيرعب الرعية فلا تتلامض أو تتكاسل في دفع
وافقوا فو ًرا على البيع للسلطان بدراهم بخسة. المكوس ،أو يفكر أحد منهم في معارضة أوامره ،ن َّفذ
وافقوا خشية من السلطان الظالم ُط ْغ َمة ،ورعبًا من فكرة قائد جيشه الجديد ..تكوين فرقة من الجنود
فرقة عسكر الدم القساة. الغلاظ ،ينفذون أوامر السلطان بقسوة ف ُيرعبون
أم الخير ،أرملة عجوز مات زوجها منذ سنوات، الرعية .واستكمل السلطان ُط ْغ َمة الفكرة ،وأمر أن
الحزن أمرضه بعدما غرق ابنهما الوحيد في النهر. تكون شارة تلك الفرقة حمراء بلون الدم ،ويصير
كل ما تملكه حجرة صغيرة من الطين .وأرض
زراعية لا يزيد طولها على عشرين خطوة ،وعرضها اسمهم جنود الدم .فاستقر الأمر على أن تكون
عشر خطوات فقط .لكن ميزة تلك الأرض أنها على ملابسهم كلها حمراء وعمائمهم حمراء وجلابيبهم
النهر مباشرة ،وتجاور أرض عبده المُخا ِوي. حمراء والحزام الجلدي أحمر ،وجراب سيوفهم
وكيل السلطان فوجئ بأن اثنين رفضا البيع! يا أحمر ونعالهم حمراء .ويصبغون لحاهم بالأحمر.
للهول! عبده المُخا ِوي والمرأة العجوز .يا ويلهما
ويا بؤس مصيرهما .ولما قال وكيل السلطان إنه فرقة الدم اختاروا لها شبا ًّبا من ذوي الأجساد
سيرسل لتأتي فرقة الدم لتؤدب هذا وهذه .مساعد الثيرانيَّة والعقول ال َب ْغلِيّة .فهم لا يفقهون شيئًا
له من نفس القرية ،حذره .عبده المُخا ِوي ،أتى شا ًّبا سوى تنفيذ أوامر قائدهم ،حتى لو طالبهم بحرق
من سنوات بعيدة واستقر هنا .وعندما سألوه:
قرية بكاملها.
-ما اسمك؟ في عامه الثاني مترب ًعا على عرش السلطنة ،قامت في
أشار إلى السماء وقال:
دماغه فكرة واهية ،ظنها ب ِطيشه زاهية .أمر ببناء
-أنا عبده. قصر جديد يطل على النهر ،ويكون القصر أعجوبة
جاءنا حافي القدمين ،وليس على جسده سوى
جلباب بسيط وعمامة صغيرة .وبقي هكذا للآن. زمانه ،ولا يهم كم التكاليف ،فهو يريد التباهي
بنى كو ًخا بسي ًطا هو مأواه ،ثم شرع في استصلاح ببناء قصر يتعالى به على كل قصور السلاطين
تلك الأرض الصغيرة وجزيرة النخيل .والغريب.. والملوك .وزير من وزرائه المنافقين أشار عليه بأن
لم يشاهده مخلوق وهو يستصلحها ،وبعدها لم يعمل الفلاحون وغيرهم في قصره بنظام ال ُّسخرة،
يشاهده أحد وهو يعزق الأرض أو يرويها أو فلا يكلفوه سوى طعام بسيط ومياه عكرة ،فيكفيهم
يجنيها .ورغم هذا فحصاد أرضه وجزيرته وفير
غزير .المساعد حكى لوكيل السلطان أي ًضا كيف شر ًفا أنهم يعملون في تشييد قصر سلطانهم
أن بعض الشباب الصغار وقتها راقبوه في الليالي الجديد ،والذي سيكون فخ ًرا للرعية كما هو فخر
المقمرة .يستلقون أر ًضا في أقرب مكان من كوخه للسلطان .وقد كان ،جلبوا العمال من المدينة ومن
ومن النهر .يرون ظلَّه يخرج من حجرته في هدوء.
يتقدم الظل ناحية النهر ،يهبط ويسير فيه .ويبدأ قرى الفلاحين مربوطين بالحبال وكأنهم عبيد،
جسد الشبح في الغوص خطوة بعد خطوة ،يختفي ومن قاوم جلدوه بالسياط ،ومن استمر في المقاومة
ساقاه ثم وسطه ثم صدره ثم عنقه ثم رأسه أو تلفظ بما لا يليق ،طعنوه بالحراب ليسقط قتي ًل
بما فيها عمامته الصغيرة .يبقون متعجبين .ثم
يتسللون إلى كوخه .يدفعون باب الكوخ في هدوء. عبرة لمن يعتبر.
مصباح زيتي صغير ينير الحجرة بالكاد .حشية مندوب السلطان ومعاونوه اختاروا أجمل مكان.
في ركن على الأرض .عبده المُخا ِوي نائم في هدوء
وشخيره الخفيف لا يتوقف! إن كان الظل الذي مكان النهر فيه عريض ،وفي منتصفه جزيرة
رأوه يهبط في النهر هو عبده المُخا ِوي ،فكيف يكون خضراء يانعة .فيها مساحة ُتزرع بالحبوب،
وأشجار كثيفة من نخيل البلح ،ولهذا فاسمها
جزيرة النخيل .قالوا :هنا نبني القصر ليطل على
النهر العريض والجزيرة الرائعة .المشكلة البسيطة
المتوقعة أن الأرض والبيوت الصغيرة التي عليها
يمتلكها فلاحون .قال مندوب السلطان :لا يهم.
دراهم قليلة ُتمنح لأصحاب الأرض وأصحاب
البيوت .ويخرجون من هنا إلى أي داهية.