Page 98 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 98
العـدد 30 96
يونيو ٢٠٢1
يعملون بدون أجر في البناء وفي نقل الأحجار اليسرى .صرخ عبده وهو يضع كف يسراه على
وغيرهاُ .ي َح ِّملون الحمير بالأحجار وغيرها، عينه .لم يرحمه جنود فرقة الدم .طعنة رابعة
ويسيرون بها فراسخ .ورجال المدينة وشبابها
وعدد كبير من نسائها ،يعملون في كد وشقاء. أصابت ظهره ،وركلات متواليات تصطدم بجسده
البناءون يصعدون بالبنيان وهم في نكد ،فلا وبرأسه حتى أغمى عليه .حملوه بعي ًدا عن كوخه
أجر لهم ولا لغيرهم .شه ًرا بعد شهر والقصر وأرضه ،وألقوه ظانين أنه مات .الفلاحون المراقبون
يعلو ويعلو .السلطان في غيه أعمى لا يرى عذاب
العاملين بالسخرة ،ولا عذاب أهل المدينة والقرى. لما يحدث من بعيد ،متأكدون أن عبده سينتقم
مستمر في ظلمه ،أص ّم عن دعاء الناس عليه. من الجنود القساة ومن وكيل السلطان ،بل من
ثلاث سنوات عمل حتى تم تشييد القصر الفاخر السلطان نفسه .عبد المُخاوي ستنتقم له جنيات
الرائع .الوقت وقت صيف .أتى السلطان بموكبه
من قصره القديم متج ًها لقصره الجديد .مائة النهر.
فارس مسلح حوله وهو على حصانه يرتدي العجوز أم الخير رأت جنود الدم متجهين ناحيتها،
الحرير .الجنود أتوا بمن كانوا يعملون وغيرهم أسرعت إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها .كسروا
ليقفوا صفين في الشوارع التي يمر بها السلطان،
وعلى الجانبين وموكب السلطان يخترق مساحات الباب بسهولة .دخل عليها وكيل السلطان وخلفه
من الزراعات حتى وصل لقصره الفريد .يهتفون له العشرة القساة .هددها ،فلم ترضخ لتهديداتهم.
مجبرين داعين له بالصحة وطول العمر رغ ًما عن
قالت كما قالت له من قبل:
أنوفهم. -في هذه الحجرة الطينية تزوجت من زوجي.
داخل القصر لي ًل أقيم حفل افتتاح باذخ ،أتاه وفيها أنجبت ابني .ولما غرق ابني أتوا بجثته
كل من اغتنوا بظلم الرعية .وكانت ليلة مضيئة. المبتسمة هنا ،ومن هنا حملوه لمقبرته .ثم مات
مئات المصابيح ُمنارة ومعها الشموع والمشاعل. زوجي هنا .وأنا مصممة أن أموت هنا ،وأن أُدفن
الإيوانات والممرات كلها وكأنها نهار فضي ذهبي في نفس القبر الذي حوى أعز الناس عندي ..زوجي
من الإضاءات المتنوعة .النافورات المليئة بماء الورد
في كل مكان .أما تركيز الفخامة ،ففي قاعة العرش. وابني .لن أترك أرضي.
جلس السلطان الباغي على عرشه وكأنه إله وليس سحبوها خارج حجرتها الطينية .دفعها أحدهم
ببشري .وأعيد تتويجه بتاج جديد ثقيل بذهبه فسقطت أر ًضا .ركلوها فبكت بكاء العجوز الواهنة.
السميك ،وكثرة أحجاره الكريمة ،كم كان فخو ًرا لم يرحموا عمرها ولا ضعفها .جلست تبكي وتلطم
بهذا التاج .قيادات جيشه ووزراؤه ومنافقوه حوله وتضع الطين على شعرها .لم يهمها دمها الذي
ومنهم قائد جيوشه والمسئول عن فرقة الدم .هذا يسيل ،ولا آلام جسدها الواهن .رفعت يديها للسماء
القائد الدموي ،مغطى باللون الأحمر من عمامته تستنجد بها وتدعو على السلطان الظالم وعلى وكيله
لنعله .يبتسم في رضاء لرضاء السلطان عليه،
ويطمئنه بأن فرقة الدم تحرس القصر من خارجه وعلى جنوده القساة.
بعد أن ابتعد وكيل السلطان وجنود الدم ،رجال
ومن داخله ،ومن فوق أسطحه.
عزف العازفون وغنَّت القيان ورقصت الراقصات. ونساء طيبون حملوها برفق وهم يبكون على
أكلوا وشربوا ما ل َّذ لهم .تط َّوح الحضور من الخمر هوانهم .عائلة أخذت العجوز عندها .فلم تبق
العجوز أم الخير سوى ليلتين وماتت مقهورة في
المعتقة .وتمادى الكثير من الرجال فاحتضنوا
الجواري ومنهم من انفرد ببعضهن يقبلهن وهو الثالثة .دفنوها مع زوجها وابنها.
يضحك ،فالليلة ليلة الفحشاء .المدينة والقرى في عبده المُخا ِوي ظل ُملقى في مكانه طوال النهار .ولما
أقبل الليل بظلامه ..اختفىَ .من راقبوه من بعيد
قالوا إنه فعل كما كان يفعل من قبل .هبط في النهر
ماشيًا ،لكن مشيه كان بطيئًا ،وكانت كف يده على
عينه التي ضاعت .واختفى روي ًدا روي ًدا في أعماق
النهر.
بدأ السلطان في تشييد قصره .مئات من الفلاحين