Page 95 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 95

‫‪93‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫متعدد الألوان‪ .‬ابتسم لها عبده حتى لا تخاف أكثر‬           ‫عبده المُخا ِوي نائ ًما في حجرته يشخر في هدوء‬
                      ‫من ذلك‪ .‬صاحت أم الخير‪:‬‬                                                 ‫عجيب؟!‬
                        ‫‪ -‬هل أنت عبده المُخاوي؟‬
                                         ‫‪ -‬نعم‪.‬‬        ‫جي ًل بعد جيل وشباب كل جيل يتجرأ على مراقبة‬
                                 ‫‪ -‬ليس شبحه؟‬            ‫عبده المُخا ِوي ولا يرون سوى ما رآه َمن قبلهم‪.‬‬
                             ‫‪ -‬لا‪ ..‬لست شبحه‪.‬‬            ‫فتأكدوا أن عبده هذا ُمخاوي جنيَّة وهي وأهلها‬
                                                       ‫يقومون بكل العمل الشاق بد ًل منه‪ ،‬وأطلقوا عليه‬
                 ‫‪ -‬هل أنا ميتة وأقابلك في الجنة؟‬
     ‫‪ -‬هاها‪ .‬لا‪ .‬أنت حية في حجرتك الطينية‪ ،‬لكنك‬                                   ‫اسم عبده المُخا ِوي‪.‬‬
                                                     ‫عبده المُخاوي بقي بدون زواج‪ .‬وحين عرضوا عليه‬
                                ‫متعجبة لمنظري‪.‬‬
                   ‫‪ -‬من أين لك بالحرير يا عبده؟‬                   ‫الزواج أكثر من مرة‪ ،‬كان رده الدائم‪:‬‬
                                                          ‫‪ -‬إن وجدتم من تقبل العيشة معي كما أعيش‬
                           ‫‪ -‬أنسيت بقية اسمي؟‬
                                     ‫‪ -‬المُخاوي‪.‬‬                                        ‫فسأتزوجها‪.‬‬
                                                        ‫لكن لم تقبل واحدة الزواج به والنوم على حشية‬
          ‫‪ -‬هاها‪ .‬إذن عرف ِت لم أنا في هذا الحرير‪.‬‬
                             ‫‪ -‬زوجتك‪ ..‬الجنيَّة؟‬          ‫بسيطة في كوخ بالغ الفقر‪ .‬اتهموه بالبخل لأن‬
                                                             ‫أرضه غنية‪ ،‬فلم لا يبني بيتًا واس ًعا ويأتي‬
                    ‫‪ -‬نعم‪ .‬وهي تريد أن تزورك‪.‬‬
    ‫‪ -‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬لا‪ .‬لا‪ .‬يا عبده‪ .‬أنا‬         ‫بمفروشات مريحة‪ ،‬وقتها سيجد بنا ًتا أبكا ًرا‬
                                                           ‫يسرعن إليه ليتزوجنه‪ .‬رده أنه يز ِّكي بكل ما‬
        ‫عجوز وقلبي لا يتحمل الونسة مع الجني‪.‬‬         ‫يكسبه للفقراء والمساكين‪ ،‬وهو راض بهذا وسيكون‬
‫‪ -‬ستأتي لك في هيئة تقارب هيئة البشر‪ .‬مثلنا‪ .‬هي‬        ‫على هذا الأسلوب حتى يرحل عن الدنيا‪ .‬بالطبع لم‬
 ‫طيبة وتحب الناس الطيبين‪ .‬وابننا وبنتنا مثل بقية‬       ‫يستبعد الناس أنه يتظاهر بالتقشف والزهد‪ ،‬لكنه‬
                                                      ‫يعيش مع الجنيَّة التي تزوجها في قصر تحت مياه‬
                                       ‫الأطفال‪.‬‬       ‫النهر‪ ،‬قصر أكبر وأفخم من قصر السلطان ُط ْغ َمة‪،‬‬
             ‫أم الخير اعتدلت في جلستها وتربعت‪.‬‬         ‫لكنهم يخشون أن يواجهوه بما يعرفون‪ ،‬فيغضب‬

                        ‫‪ -‬هل أنجبتما ول ًدا وبنتًا؟‬          ‫منهم ويأمر زوجته الجنيَّة بالانتقام منهم‪.‬‬
     ‫‪ -‬صارا يافعين يا أم الخير‪ .‬إيه‪ .‬هل أدعوهم؟‬        ‫المساعد نصح وكيل السلطان بأن يبتعد عن عبده‬
  ‫‪ -‬اد ُعهم‪ ،‬لكن‪ ..‬إن وجدتني ُيغمى عليَّ أو أرتعش‪،‬‬    ‫المُخا ِوي وإلا تصدى له الجن وسحلوه أو شوهوه‬

                                 ‫اصرفهم فو ًرا‪.‬‬           ‫أو قتلوه‪ .‬لم يصدق وكيل السلطان‪ ،‬وفي نفس‬
                                      ‫‪ -‬حاضر‪.‬‬           ‫الوقت خاف أن يتقاعس فيعاقبه السلطان ُط ْغ َمة‪.‬‬

                            ‫‪ -‬وعد منك يا عبده؟‬           ‫عبده المُخا ِوي كان صدي ًقا لزوج أم الخير‪ .‬تألم‬
                         ‫‪ -‬وعد مني يا أم الخير‪.‬‬           ‫لموته كما تألم لغرق ابنه من قبل‪ .‬فكان يساعد‬
 ‫لم يد ُعهم المُخاوي‪ .‬وجدتهم أم الخير يقفون خلف‬        ‫العجوز بالسمن والزيت ووجبات أسماك ولحوم‪،‬‬
‫المُخاوي‪ .‬امرأة جميلة لونها لون مياه النهر‪ ،‬معالمها‬   ‫وكل موسم شتاء يأتيها بملبس يدفئها ويصر على‬
   ‫ليست واضحة تما ًما‪ ،‬وكأنها داخل قارورة مياه‬       ‫ذلك مهما تمنعت العجوز‪ .‬ولم يكتف بذلك‪ .‬ليلة وأم‬
    ‫غير مرئية‪ .‬شعرها مفرود مبلل‪ .‬ترتدي قمي ًصا‬          ‫الخير نائمة أحست بأن مصباحها الصغير ازداد‬
       ‫يغطي من تحت رقبتها حتى أسفل ركبتيها‪.‬‬          ‫نوره وأن زحا ًما يجلسون حول حشيتها الأرضية‪.‬‬
 ‫وجهها وعنقها وذراعاها عاريان‪ .‬عن يمينها ابنتها‬          ‫فزعت وارتفعت بجذعها لتبقى جالسة مستندة‬
‫وتشبهها كثي ًرا‪ ،‬وعن يسارها ابنها الذي يجمع شبه‬         ‫على يديها ممددة الساقين تنظر حولها في ذهول‪.‬‬
 ‫والديه م ًعا‪ .‬الثلاثة يبتسمون لها‪ .‬جلسوا ثلاثتهم‪.‬‬     ‫عبده المُخاوي يجلس بجوارها وهو يرتدي عمامة‬
                                                      ‫حريرية ضخمة لونها لون مياه النهر‪ ،‬وجلبا ًبا من‬
                              ‫قالت المرأة الجنيَّة‪:‬‬   ‫نفس اللون ونفس الحرير‪ .‬حول عنقه عقد جواهر‬
 ‫‪ -‬أم الخير‪ .‬أنا وعائلتي نحبك لطيبتك‪ .‬ونعتذر لك‪،‬‬
  ‫لم نستطع إنقاذ ابنك الذي غرق في قريتنا‪َ .‬من في‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100