Page 100 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 100
العـدد 30 98
يونيو ٢٠٢1
عزة بدر
س َّكة سفر
تواتيه القدرة دائ ًما أن يحتفل بالتفاصيل ،تتطلع يحدث هذا..
إلى قميصه بلون البنفسج ،وإلى لون بذلته بلون أن تترك قلبك عند أحدهم ثم تعود إلى البيت لتسأل
ال ُبن الفاتح ،زهر البنفسج في أوانيه على شرفتها،
وقهوتها على النار تفور ،ترفعها ،وتتملى رغوتها.. نفسك ..كيف أمسي وكيف أصبح بدونه ..كيف؟
كل هذه الأحداق على وجه القهوة ،أمها تقول ،إنها -آلو..
كلها عيون تأكلها أك ًل ،تتثاءب فتهمس أمها أنها
تهمس حيث لا تملك سوى هذا الحس الصوتي
محسودة. الذي اختزلت فيه ُبهرة أنفاسها ،تتهدج كمن
تتمم على الخرزة الزرقاء في ُع ْنقها وعلى بحر صعدت سل ًما طوي ًل.
أزرق صغير غازلها فعلقته على نحرها بكل مراكبه -آلو..
الكبيرة ،وزوارقه الصغيرة. تحاول أن يكون ما بعد هذه الكلمة متم ًما لما ابتنته
ُتريها صورتهُ ..تقربها إلى عينيها فتقول أمها: طوال ليلتين من عبارات ما لبثت أن تهاوت وهو
-شبه يوسف وهبي ..لماذا تحملين صورته؟ يرد بنبرة عالية.
ترتعش شفتاها قلي ًل ،وتحرك فنجانها يمينًا -آلو..
ويسا ًرا ثم تقلبه على وجهه في صحنه ،تسبح في لا تأتي الكلمات وإنما الخيالات تترى ،لعله جالس
ارتباكتها وصمتها ،تمد إليها الفنجان لتقرأه. الآن على مقهاه المفضل ،يشرب قهوته ويمعن في
تقول أمها :أمامك طريق مفتوحة ،طويلة صحيح قراءة عناوين الجريدة ثم يتركها إلى جانب قطعة
لكنها محاطة بالشموعِ ،ع ِّدي معي ..واحد ..اثنان.. «الباتيه» التي لن يمسها بشفتيه ،وإنما يعاجل
ثلاثة بل سبع شموع مضيئة ،لكن هناك أخرى في
طرف الفنجان مطفأة ،أمامك ٍس َّكة سفر ..يا بعد فمه بسيجارة اشتعلت لتوها ،ربما يراقب الطريق،
ويبتسم بلا سبب ،ويرقب امرأة عابرة.
شهر ..يا بعد شهرين.
فتقول« :يا بعد سنة ..يا بعد سنتين ..يا بعد العمر تترك فنجان القهوة ،و»الباتيه» ،والسيجارة
المشتعلة ،وتفكر في العابرة.
ما ينقضي!».
تهمس أمها« :بعد الشر عليك ،ربنا يط ِّول لي في تستدعيه في ذاكرتها ،عينه الزرقاء الواسعة وهي
تتأمل العالم ،وترسم صو ًرا لل ِحسان اللواتي مررن
عمرك». بالمقهى ،وبعضهن مر بخياله يو ًما ،أو ذات حقيقة.
تتثاءب« :محسودة» ..قلت لك «محسودة» ،لا
لعله وضع «الشاليموه» في الكوب الآن وقد مسها
تضعي التلال مع الجبال ،كل شيء بأوان. بشفتيه بعد أن طلب عصي ًرا يحبه ،وابتسم للنادل،
وهو يقول« :هايل»!