Page 103 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 103
101 إبداع ومبدعون
قصــة
ع َبر ُت الباب داخ ًل ،والتشاؤم جاثم فوق صدري. فمن هذه العين قبل هذه – وأشار إلى عينيه.-
يجلس المدير على مقعد دوار ،مصد ًرا ظهره -قالت :وما زلنا نأكل في خيره حتى اليوم.
إرهاصات عديدة مشابهة مرت علينا ،قبل أن
للداخلين ،رد سلامي المطول بكلمة (سلام) وهو تفاجئنا الإعارة على غير انتظار ،وبثمن الذهب تم
يستدير. تجهيز الأوراق ،قال والدي :لا تحمل ه ًّما ،امرأتك
تناول النموذج الورقي بلامبالاةَ ،ح َّط توقيعه أسفله وابنتك في كفالتي حتى تعود.
بتكاسل ،قال بنبرة آمرة: مع أواخر العام الأول ،باغتني والدي بالرحيل،
هيا إلى مدرستك السابقة. تملكني شعور عميق باليتم ،وآلمني الغياب عن
-العفيرية؟
-إي نعم. تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير.
-لكن.. لم أجد منا ًصا من تقديم طلب استقدام للأسرة ،فلا
ُ -رح يا مصري ُرح.
أحد يمكن كفالتها بعد الوالد.
-ظللت ثابتًا لا أتململ ،مان ًعا يدي عن التقاط مر العام الثاني كام ًل ،قبل موافقة المملكة على
النموذح ،الذي دفع به حتى حافة المكتب. الاستقدام ،وها نحن في مستهل العام الثالث ،نسعى
للم الشمل ،لنعيش -أو حتى نموت -م ًعا ،سواء
رفع الرجل رأسه متأ ِم ًل وجهي ،اعتدل في جلسته بالمملكة أو بمصر والكرة الآن في ملعب الإدارة.
كالمفا َجأ. أنهيت للتو صعود آخر درجة ،في آخر الطرقة ،لمحت
معل ًما متوتر الخطوات ،يروح ويجيء ليستقر أخيًرا
سأل ده ًشا :ما َلك أنت؟ أمام مكتب التوجيه الفني ،القريبة من مكتب المدير،
-العفيرية لا تصلح. تبادلنا التحية إشار ًة ،لم تمض لحظات إلا وصرنا
-من قال؟ بالداخل ،سلمنا الجوازات لموظف التوجيه صام َتين،
-أنا قلت.
قال الموظف مشي ًرا إلى جاري:
-أنت؟! ومن أنت حتى تقول؟ أنت المعلم الأردني؟
-مجرد عبد من عباد الله.
َ -ع ْبد؟! أين تريد إذن؟ -أومأ برأسه إيماءة الإيجاب.
-أي مكان يصلح للعوائل. -انتظر إذن بالخارج.
-وهل أنت عوائل؟
-خرج المعلم بلا استفسار.
-أسرتي قادمة بعد تهيئة السكن. َد َّب الموظف عينية بالدرج المفتوح ،تفقد عشرات
-قل «إن شاء الله» ،ثم إن العفيرية تستقبل العوائل. الإقامات السعودية ،مد يده إل َّي بإقامتي الجديدة،
قلَّ َب بعض الأوراق أمامه ،تناول نموذ ًجا ورقيًّا
-قلت« :إن شاء الله» ،العفيرية كلها حشرات مطبو ًعا ،وشرع في ملء بياناته بتأ ٍن ،ثم سلمني إياه
وحيوانات ،ولا بشر فيها إلا ناد ًرا.
مشي ًرا نحو مكتب المدير.
-ماع ِه ْدنا المصريين يرفضون ،بل يصمدون إلى جوار باب المدير المغلق ،احتل أحد العاملين مقع ًدا
ويعمرون ،ماذا دهاك أنت؟ جلد ًّيا ،رفع رأسه بهدوء ،بدت سحن ٍة سمراء كالليل،
-خلاصة الكلام يا شيخ ،أريد مكا ًنا به مستشفى، وبان احمرار عينيه ،قال وهو جالس:
وبشر يعيشون أمام الناس وبينهم ،لا وراء الجبال -انتظر.
والمرتفعات. انفتح الباب من الداخل ،خرج منه متعاقد نحيل،
عل ْت قسماته خطوط التعجب ،كأنه سمح بإطالة وهو يضرب ك ًّفا بكف.
الحوار للتسلية ،أو ربما وجد في هذا الهادئ المسالم
أمامه ،أعجوبة لم يعهدها في المصريين كما يعتقد. صاح الرجل الجالس بصوت أجش:
لكنه لا يعرف بالتأكيد ،أنهم يتحملون المشاق من -ادخل يا ولد.
أجل لقمة العيش ،التي مآلها في النهاية إلى أ َسرهم،
ولد؟ (ولد في عينك) -قلت في سري.-
أ َّما أن تطال هذه المشاق أسرهم ،فلا وألف لا.