Page 104 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 104
العـدد 30 102
يونيو ٢٠٢1
سباطات بلح أحمر غير ناضجة ،هذا مقهى (ليالي سال المدير أخي ًرا :وإذا لم ننقلك؟
الحلمية) ،يقوم على إدارته بعض الباكستانيين، أعود فو ًرا. -
قال: ال ِح َّدة، بوادر ملامحه صعد ْت إلى -
الذي بت به ليلة من ليالي العام الأول ،مقابل بضعة
ريالات ،وهذا مقهى (المواردي) بالقرب منه ،بشهرته إذن عليك برد ثمن تذكرة الطائرة.
الكبيرة في تقديم الشيشة ،مع القهوة التركي. -عليكم أنتم بسفارة مصر ،لأنني معار ،ولست
على الجانب الآخر يوجد فندق الزهرة ،ليلته بمائة
وخمسين ريا ًل ،لا أعرف أتشمل الطعام أم لا؟ وهو متعاق ًدا شخصيًّا.
يختلف عن فندق النخيل ،الذي قضيت به أول ليلة -ماذا يعني!
حللت فيها على بيشة ،مقابل ثلاثين ريا ًل دون طعام.
-يعني حكومة مع حكومة ،يعني أن عملي ينتظرني
وصلت أخي ًرا إلى مطعمي المنشود ،تأملت لافتته
النيون الملونة: وقتما أعود ،ولا يوجد لدي أهم من أسرتي و..
فول وفلافل المصريين. -قاطعني بحدة تامة:
مسح بصري المطعم من الداخل ،تر َّج ْل ُت نحو
منضدة اعتدت عليها ،بمجرد الجلوس أقبل عليَّ انتهى الكلامُ ،م َّرنا بعد نصف ساعة.
شخص طويل عريض ،تظهر على هيئته سيماء استدرت منصر ًفا ،وأنا أوسع ال ُخ َطى ،متعجبًا من
نوبة الشجاعة التي اجتاحتني!
النظافة والترف ،وهو يصيح:
-أيوه جاي. خلاص -هكذا قلت لنفسي ،-يظل المرء مرعو ًبا من
البحر الهائج ،حتى إذا نزله وجبت عليه المواجهة،
أعدت النظر هنا وهناك ،لعلي أعثر على صديق يعمل وها هي المواجهة قد حلَّ ْت ،وبات مصيرها بيد المدير،
به ،فاجأني زبون المنضدة المواجهة ،سائ ًل: بعد خالق الحل والربط.
-أتبحث عن شخص معين؟
-قلت بتردد :أبحث عن علي بدر. في طريقي لهبوط السلم لاحظت ازدياد الزحام،
-علي بدر في أجازة ،والدكتور منصور حل محله. ساعدتني خبرتي على تمييز قدامى المتعاقدين ،الذين
ثم أشار نحو الرجل العريض ،وهو يخطو نحونا
بصينية أطباق الفول والباذنجان المقلي والسلاطة مع اعتادوا تقليد الوطنيين ،بارتداء الجلابيب البيض
الخبز ،مرد ًدا لا يزال: وتغطية الرءوس بال ُغ َتر المخططة ،في ما يتلاعب
-أيوه جاي. التوهان بالجدد ،ككتاكيت خارجة للتو من البيض،
وزع الأطباق على المناضد ،ثم عاد ليأتي بزجاجات ما زالوا ببناطيلهم وقمصانهم المصرية ،أو السورية،
الماء.
أو الأردنية ،أما السودانيون ف َس ْمتهم لا تخطؤه
-همس الزبون المواجه: عين ،رءوسهم لها َل َّفة معروفة ،وجلابيبهم لا ظهر
هذا طبيب بيطري ،لذلك ينادونه بالدكتور.
لها من بطن.
-ولماذا؟
-لأنه محرم ( ُم ْع َتبر) ..زوجته معلمة بمتوسطة اجتزت البوابة إلى الشارع ،أعدت توصية الحارس
بيشة للبنات ،تركا الأولاد مع جدتهم ،وقدما على حقيبتي ،تحسست السمسونايت المعلقة بكتفي،
وحدهما.
دهشت لعدم الشعور بوجودها منذ دخلت الإدارة،
أكمل الزبون بعد سكتة قصيرة:
ولأنه رجل طيب ،قال :الشغل ليس عيبًا ،خليني انحطت كفي على بطني الفارغ ،وأنا أتلمس الظل
أسلي وقتي. لصق الأبنية.
-كم يأخذ يعني؟
-خمسمائة ريال. السائرون على أقدامهم نادرون ،لا أعرف ببيشة
سوى صديق وحيد ،يعمل بمكتب شهير للخدمات،
ف َّضل ُت تأجيل المرور عليه ،إلى ما بعد موضوع
الإدارة ،جئت له بكرتونة احتلت نصف الحقيبة،
تسلَّمتها من أمه وامرأته ،ر ًّدا على كرتونة الملابس
المُ ْر َسلة معي قبل الأجازة.
ما زالت الشمس تجلد الدنيا ،الشارع عريض له
اتجاهان ،تفصلهما جزيرة مزروعة بنخيل يحمل