Page 99 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

    ‫جوانبه‪ .‬انض َّمت ع َّدة شهب م ًعا فصارت مح َّفة‬  ‫غم‪ ،‬والسلطان في قصره في غاية السرور ويضحك‬
 ‫نارية‪ ،‬شفطت السلطان الراقد أر ًضا وقد تكسرت‬           ‫ضحك الفجور‪ .‬لم يعلم أن الله سمع دعاء العجوز‬

    ‫أضلع له من دهس الناس‪ .‬شفطته وهو يصرخ‬                 ‫والمُخاوي‪ .‬لم يعلم بأن الله الذي كتب على نفسه‬
‫مرتعبًا‪ .‬حملته وطارت به ناحية القرى‪ ،‬ثم صعدت‬             ‫الرحمة‪ ،‬سمع ألوف ألوف ألوف الألسنة تدعوه‬

          ‫للسماء تلحق ببقية الشهب حتى اختفت‪.‬‬                      ‫سبحانه أن ينتقم من السلطان ُط ْغ َمة‪.‬‬
     ‫ويأتي الفجر والقصر يستكمل احتراقه‪ .‬وأتى‬          ‫وقبل أن يأخذ الليل في الرواح وتنتهي تلك السهرة‬
      ‫النهار فلا قصر موجود‪ .‬بل أنقاض محترقة‬
                                                          ‫العربيدة‪ .‬انفجرت أصوات رعد رغم أن الوقت‬
                     ‫ورائحة شواء لحوم بشرية‪.‬‬            ‫وقت صيف لا شتاء‪ .‬أسرع الكثير من الحضور‬
   ‫الفلاحون كانوا في قراهم مستيقظين يشاهدون‬           ‫للشرفات والنوافذ الواسعة ينظرون للسماء‪ .‬ظلام‬
   ‫الحريق القريب منهم‪ ،‬متأكدين أن الحريق عقاب‬         ‫ولا شيء‪ .‬وقبل أن يعودوا لغيهم إذا بعشرات من‬
  ‫من الله على السلطان الباغي وأعوانه‪ ،‬متأكدين أن‬      ‫الشهب تنطلق من عمق السماء متجهة إلى الأرض‪.‬‬
    ‫جنيات النهر له َّن دور في هذا الانتقام الرهيب‪.‬‬
‫وأهالي المدينة لم ينم منهم أحد‪ ،‬الكل يشاهد الشهب‬          ‫الشهب مسرعة وهي ُتصدر أزي ًزا تقشعر منه‬
                                                       ‫الأجساد‪ .‬السلطان الباغي وسط حاشيته وأتباعه‬
                ‫والحرائق ونهاية السلطان ُط ْغ َمة‪.‬‬    ‫ينظرون مرتعبين‪ .‬لم يدركوا بع ُد ما سيقع عليهم‪.‬‬
    ‫أسرع الفلاحون إلى المقابر‪ .‬فمن هناك يتصاعد‬        ‫برهات وتأكد لهم أن الشهب تتجه إليهم‪ ،‬تتجه إلى‬
    ‫شياط نار‪ .‬النار بجوار قبر العجوز المظلومة أم‬       ‫القصر‪ .‬الشهب شعلات نار تقترب‪ .‬وإذا بها ذات‬
 ‫الخير‪ .‬عبده المُخا ِوي يجلس بنفس حالته التي أتى‬      ‫عيون في مقدمتها‪ .‬تقترب وتقترب وتظهر أذرعتها‬
  ‫بها إليهم‪ .‬حافي القدمين بعمامة صغيرة وجلباب‬
  ‫قديم‪ .‬الفرق أن على عينه اليسرى عصابة تداري‬                ‫النارية‪ .‬صرخوا وأسرعوا للداخل فأسقطوا‬
                                                         ‫السلطان أر ًضا تدوسه الأقدام وهو يصرخ ولم‬
      ‫العين الضائعة‪ .‬رأوا بجانب القبر بقايا عظام‬        ‫يأبه به أحد‪ .‬يهربون في الممرات والحجرات وكل‬
   ‫السلطان المحروق‪ ،‬وتاجه قد انصهر حتى سال‬
    ‫والتصق بأعلى جمجمته حتى غطى على العينين‬                ‫يأمل في النجاة ولا نجاة لهم‪ .‬الشهب وصلت‬
                                                             ‫وأخذت في الارتطام بالجدران فترجها ر ًجا‬
                                    ‫المحترقتين‪.‬‬             ‫وتسقطها‪ .‬والكثير منها دخلت من الشرفات‬
     ‫وقف عبده المُخا ِوي واتجه إلى النهر‪ .‬والجميع‬
      ‫رجا ًل ونسا ًء وأطفا ًل يمشون خلفه يرتقبون‬        ‫والنوافذ‪ ،‬تشعل الستائر والسجاجيد وكل ما هو‬
    ‫ما سيحدث‪ .‬وصل عبده المُخا ِوي للضفة‪ ،‬هبط‬             ‫خشبي‪ .‬تصيد المتجبرين الفاسدين وتحتضنهم‬
   ‫خطوتين في النهر‪ .‬التفت للمتابعين الذين توقفوا‬      ‫فيحترقون حر ًقا‪ .‬يصرخون في آلام الحرق‪ ،‬وآلام‬
                                                        ‫الحرق رهيبة‪ .‬من يصيبه شهاب نار ويحتضنه‪،‬‬
                   ‫بجوار الضفة مبهورين وقال‪:‬‬
  ‫‪ -‬لا تسمحوا لملك طاغ بأن يستعبدكم مرة ثانية‪.‬‬             ‫يصرخ ويصير هو نفسه نا ًرا‪ ،‬فيتركه شهاب‬
                                                     ‫الانتقام ليصيد غيره‪ .‬الظالمون كلهم صاروا شعلات‬
      ‫ثم عاد لسيره في النهر‪ .‬جسده يهبط في المياه‬     ‫نار تهرول صارخة متألمة هنا وهناك‪ .‬ألقى بعضهم‬
‫وخيالات كائنات تستقبله وتحيط به‪ .‬عبده المُخاوي‬
 ‫مع كل خطوة لمنتصف النهر‪ ،‬يختفي روي ًدا روي ًدا‪،‬‬          ‫بأنفسهم في أحواض النوافير‪ .‬فلم تطفئ المياه‬
                                                     ‫نارهم‪ ،‬بل صارت مياه النوافير ميا ًها ناريه تزيدهم‬
    ‫وتختفي معه الخيالات حتى لم يعد فوق سطح‬
‫النهر سوى رقبته ورأسه‪ ،‬ثم تختفي رقبته وتبقى‬           ‫حر ًقا‪ .‬يصطدمون ببعضهم نا ًرا بنار‪ .‬الكل يحترق‬
 ‫رأسه وعمامته‪ ،‬ثم تبقى عمامته وكأنها تطفو على‬           ‫فيما عدا الجواري والعبيد‪ ،‬فليس لهم ذنب‪ .‬رغم‬
  ‫سطح المياه‪ ،‬ثم تختفي ليختفي عبده المُخا ِوي ولا‬       ‫هذا فالجواري والعبيد يصرخون هل ًعا خشية أن‬
                                                       ‫يحترقوا مع المحترقين‪ .‬وإن اصطدم بهم محترق‪،‬‬
                           ‫يعود للبر مرة أخرى‪.‬‬
                                                      ‫حتى وإن أمسك بهم أو احتضنهم‪ ،‬الحرق يبقى في‬
                                                                 ‫المحروق ولا يحرق العبيد أو الجواري‪.‬‬

                                                            ‫في هذا المشهد الجهنمي والقصر يتهاوى من‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104