Page 102 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 102
العـدد 30 100
يونيو ٢٠٢1
فكري داود
المحارم
في الرزق .والمبلغ المتوفر من عا َم َّي السابقين ُيعد مع إقلاع الطائرة من جدة ،استغرقني تأمل
معقو ًل. الركاب؛ سعوديين ،هنود ،باكستانيين ،مصريين،
،..المضيفات محدودات الجمال ،يقدمن مشروبات
ثلاثة عشر عا ًما قضيتها قبل الإعارة ،تقاضيت
طوالها رواتب عرجاء بلا تمرد أو تنمر ،سارت منوعة ،يوزعن ابتسامات لا مغزى لها.
الدنيا خلالها ،سير كقط هزيل مكسور الساقين، لم أحتج سوى خمس وأربعين دقيقة ،كي أصل إلى
رزقنا الله بابنة وحيدة ،وبتنا مرشحين لاستقبال
بيشة ،ولمثلها كي أخرج من مطارها ،الذي أعرف
المزيد. مخارجه ومداخله ،من َسفرتين سابقتين عن طريقه.
انتاب امرأتي القلق ،قالت:
لدينا الآن بنت ،لا بد من بيع الذهب لنفتح (مشروع الساعة لم تتعد العاشرة بعد ،لكن الشمس تلفح
البشر والحجر وكل ما تطاله ،استقلي ُت عربة َد َّباب
محندق). (ربع نقل) ،بعد وضع حقيبة الأغراض بالصندوق،
قلت :الذهب هديتك ،وهو أو ًل وآخ ًرا متروك للزمن.
أصبحنا بالإدارة بعد دقائق عشر ،منحت السائق
قالت :لاعليك ،هكذا فعل من رافضوا الدروس ريالات التوصيلة ،تركت الحقيبة بجوار حارس
الخصوصية أمثالك ،والمحرومون منها كمعلمي البوابة ،موصيًا إياه بها خي ًرا ،وع َب ْر ُت لأنهي
إجراءاتي المُ ْف َت َرضة.
المجالات والفنية.
-ولكن ماذا نفعل؟ كانت العفيرية في قلب الصحراوي ،آخر قرية داوم ُت
بها قبل الإجازة ،وهي ديرة يستحيل لأسرتي -أو
-مثل زملائك. لأية أُسرة غير بدوية -العيش فيها ،هكذا وقر في
-باع زملائي الفراخ البيضاء ،وملابس بورسعيد ذهني ،وأنا أرتقي سلم الإدارة الرخامي.
الدنيا أمام ناظر ّي شاشة مغبرة ،الجوع ينهش
المستعملة ،وانخرط بعضهم في مهن مصاحبة أحشائي ،يتملكني شعور مقيت ،يشابه شعور
لصناعة الموبيليا ،كالأستورجية والأويمة ولصق مريض ،يتعاطى حقنة شرجية لثالث مرة على
التوالي ،بطريقتها القديمة الفظة ،أو يستقبل خرطوم
القشرة. المنظار -شبيه خرطوم البوتاجاز -في حلقه للمرة
-وما المانع. الثالثة ،ليمر بالمريء عاب ًرا إلى المعدة ،كي يربط
-المانع أنني للأسف لا أصلح لكل ما سبق. أوردتها النازفة ،وهو فعل يتمنى المر ُء ،أن يلقى
-قالت :سامح الله والدك. حتفه قبل الإقدام عليه.
-قلت :قولي أطال الله في عمره. عقدت العزم تما ًما ،ليكون اليوم حاس ًما ،لا يزال
قلت له وأنا في فورة الشباب ،ليتك تصحبني معك في الشيطان يوسوس لي ،لأختلق أعذا ًرا للرجوع،
التجارة ،ويصبح الرزق رزقين ،فكاد أن يصفعني
قائ ًل :لقد مات جدك وأنا طفل صغير ،تمرمط في والأرزاق بيد الخ َّلق ،فلا شفاعة في الموت ،ولا حيلة
كل المهن حتى صرت كما ترى ،كي لا أعرضكم لأية
مرمطة ،ما عليك إلا الاهتمام بدراستك ،أما طلباتك