Page 108 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 108
العـدد 30 106
يونيو ٢٠٢1
زعق السائق مهد ًئا :احمدوا الله يا شباب، احتل بطني أل ٌم متحرك ،كأن فأ ًرا يجري بداخلي،
فاصطدامنا بأحدها كفيل بقلب العربة ،والقضاء على قمت من فوري قاص ًدا الح َّمام ،حاولت أن أفعل (زي
أكثرنا. الناس) بلا جدوى ،رغم شعوري المُلِ ّح بحاجتي
تمتم البعض بالآيات الكريمة ،وجرت الألسنة بترديد إلى ذلك ،اكتفيت ببضع قطرات من البول ،خرجت،
ألفاظ ال ِّذ ْكر ،و َس َر ْت لوق ٍت قصير حكايا عن حوادث
توضأت ،صلي ُت الظهر والعصر جم ًعا وقص ًرا،
مروعة ،نتجت عن اصطدام ال ِجمال بالسيارات وعدت لأحتل ركني مترقبًا وصول عامل المطعم.
المسرعة على الطرق. بالقرب من مجلسي ،لمحت جاري في المقعد ،وعيناه
ترمقاني بضيق ،عجزت عن تفسير سببه .أقبل
بنا ًء على طلب الهابطين ،توقف السائق قبالة عدة عامل هندي متناهي القصر والهزال ،قال بصوت لا
محطات ،مثل ال َح ْمضة وجاش وغيرهما ،ومر وقت
مجهول ،قبل أن يطلق سرينة ممدودة ،قال بعدها يتناسب مع حجمه:
بارتياح :حمدا لله على السلامة ،تثليث على الأبواب. -هنا دجاج ولحم و..
مددت يدي إليه بمظروف ال ُق َرص ،سائ ًل:
مع تتابع الهابطين بدأت الطريق تضيق ،حتى
صارت فردة واحدة ،تستوعب حافلتين متقابلتين -أيوجد جبن؟
بصعوبة .بعد عدة انحناءات ونزلات ،أمسينا وسط تناول المظروف آليًّا ،أجاب :يوجد.
ساحة مسفلتة ،تساوي ملعب كرة القدم ،تصطف -هات علبة جبن نستون وعي ًشا..
على يمينها أبنية حديثة ،وعلى يسارها جامع كبير، -ليس هنا إلا جبن وخبز( ،..عيش هذا لا يوجد).
وعدة محلات أحدث ،منها مكتب من دور واحد، -إذن هات جبنًا وخب ًزا يا ابن (العبيطة).
مكتوب أعلاه بخط أزرق سميك :مكتب تثليث للنقل بدا أنه لم يفهم الكلمة الأخيرة ،انحنى مغاد ًرا دقائق،
الجماعي. ثم عاد حام ًل المطلوب.
توقفت الحافلة تحتها ،نظر السائق خلفه ،فلمحني قلت :أريد كو ًبا من الشاي.
منزو ًيا فوق مقعدي ،قال بلهجة آمرة :انزل يا -الشاي بالخارج.
أستاذ..آخر محطة. َد َهست قطعة من الجبن وسط نصف رغيف،
قمت بالتهامه على َع َجل ،ووضعت ما تبقى في
بعد ثبات قد َم َّي على الأرض ،سحب ُت حقيبتي من السمسونايت .دفعت الحساب بيسر ،صعد ُت د َر َج
بطن الحافلة ،ألقيت بها فوق رصيف المكتب ،احتليت الحافلة ،فوجدت جاري قد سبقني إليها ،وانتظرت
للحظات حتى منحني ُف ْر َجة أعبر منها إلى مقعدي،
بقع ًة منه ودلَّ ْي ُت ساق ّي ،ثم وضعت السمسونايت أقبل السائق عد ًوا ،قبل أن يقفز ليحتل مكانه ،أطلق
فوق ركبت َّي ،وأنا لا أدري للدنيا تصري ًفا ،وعيناي (سرينة) أخرى ،استدعى بها بقية الركاب .انطلقت
ُتتابعان خطوات السائق ،وهو يقلب الأوراق بين الحافلة بلا مهادنة ،وعاد الصمت والتأمل -أو
يديه ،معاو ًدا الصعود إلى الحافلةَ ،صا ًّفا إياها لصق
الحزن -للسيطرة على الركاب.
المكتب ،بالجانب الخالي من المحلات. أفاق الجميع على فرملة عنيفة ،صحبتها صرخة
أعنف ،نتجت عن احتكاك العجلات بالأسفل .توقفت
-------- الحافلة بصعوبة بالغةَ ،ص َّدرت يد َّي بظهر الكرسي
أمامي ،تحاشيًا لاصطدام رأسي به ،اعتدلت َو ِج ًل
فصل من رواية لم تنشر بالاسم نفسه. ملقيًا نظرة بالخارج ،فإذا بقطيع من ال ِجمالَ ،ي ْع ُب ُر
الطري َق متقاط ًرا ببطء قاتل.
تحرك أخي ًرا لسان جاري الصامت ،قال سائ ًلُ :ترى
ما سر عبور ال ِجمال ،من صحراء جرداء إلى صحراء
جرداء؟ ثم ألا من ُر َعاة لها؟