Page 112 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 112

‫العـدد ‪30‬‬   ‫‪110‬‬

                                                     ‫يونيو ‪٢٠٢1‬‬

‫عبد القادر وساط‬

‫(المغرب)‬

‫في السيرك‬

    ‫الفوضى جنبات السيرك‪ ،‬ويتسابق الناس نحو‬           ‫أجلس في السيرك‪ ،‬في الصف الأمامي‪ ،‬مع أطفال في‬
              ‫الباب‪ ،‬فيميل عليَّ الساحر ويقول لي‪:‬‬        ‫سني‪ ،‬بينما يجلس الكبار في الصفوف الخلفية‪.‬‬

       ‫‪ -‬يبدو أن الحيوانات الضارية قد هربت من‬         ‫الساحر يقوم بأدواره العجيبة‪ ،‬ونحن نتابعه بفرح‬
                          ‫أقفاصها‪ ،‬فان ُج بنفسك‪.‬‬      ‫كبير‪ ،‬وسط صم ٍت حافل بالتوقعات‪ ،‬ثم نراه ينزع‬
                                                     ‫طربوشه الأسود الطويل ويقترب من حافة الخشبة‬
     ‫يداهمني خوف شديد وأسأله بنبرات متقطعة‪:‬‬           ‫الدائرية ويلقي نظرة متفحصة علينا نحن الأطفال‪،‬‬
  ‫‪ -‬كيف أنجو بنفسي وأنت جعل َتني شي ًخا هر ًما؟‬
                                                          ‫ولِسب ٍب ما يشير إل َّي أنا بالذات ويدعوني إليه‪.‬‬
              ‫لكنه يلوذ بالفرار‪ ،‬غير آبه بما أقول‪.‬‬          ‫أصعد وأقف بجانبه مسرو ًرا وخائ ًفا في آن‪.‬‬
    ‫وأنجح في مغادرة السيرك رغم الزحام والهلع‬
                                                         ‫يسألني عن اسمي وسني‪ ،‬فلا يكاد يصدق أني‬
       ‫والفوضى‪ ،‬وأعود في النهاية إلى َحيِّنا شي ًخا‬      ‫في العاشرة‪ .‬يبتسم لي لكني لا أرتاح لابتسامته‬
            ‫كبي ًرا‪ ،‬متوكئًا على عكازتي‪ ،‬وأجلس في‬      ‫الغامضة‪ ،‬ثم يطلب من الناس أن يتابعوا جي ًدا ما‬
            ‫ناصية الحي‪ ،‬غير بعيد عن بيتنا‪ .‬ذلك‬
             ‫البيت الذي غادرته قبل ساعات قليلة‪،‬‬                              ‫سيحدث‪ ،‬وأسمعه يقول‪:‬‬
                  ‫وأنا طفل في العاشرة من العمر‪.‬‬       ‫‪ -‬انظروا إلى هذا الطفل الصغير‪ ،‬سأحوله الآن إلى‬
             ‫هكذا يمضي الوقت وأنا جالس هناك‪،‬‬
               ‫أرسم بعكازتي خطو ًطا وهمية على‬                                             ‫شي ٍخ ه ِرم‪.‬‬
            ‫الإسفلت‪ ،‬ويستحكم الليل ويخرج أبي‬           ‫يصفق المشاهدون وأرى ومي ًضا خاط ًفا يش ُّع من‬
                                                        ‫عيني الساحر‪ ،‬وأنظر إلى نفسي فأجدني بالفعل‬
  ‫وإخوتي الكبار للبحث عني‪ ،‬تتبعهم نساء الأسرة‬           ‫شي ًخا كبي ًرا‪ ،‬بلحية طويلة بيضاء وظ ْه ٍر ُم َق َّوس‪،‬‬
      ‫حاسرات الرؤوس‪ .‬يمرون تبا ًعا بالقرب مني‬          ‫وأحس بجلدي قد انكم َش وت َغ َّضن‪ ،‬وأشعر فجأة‬
             ‫وبطبيعة الحال لا يعرفني منهم أحد‪.‬‬
     ‫وأردد مع نفسي أن أملي الوحيد في استرجاع‬              ‫بثقل السنين‪ ،‬ثم يتناول الساحر سل ًكا فولاذ ًّيا‬
                                                     ‫ويحوله بحركة سحرية إلى عكازة‪ ،‬ويناولنيها قائ ًل‪:‬‬
‫طفولتي هو أن أعود إلى السيرك صباح الغد وأبحث‬
      ‫عن ذلك الساحر‪ ،‬كي يعيدني سيرتي الأولى‪.‬‬                               ‫‪-‬هذه عكازتك‪ ،‬أيها الشيخ!‬
              ‫لكن من يضمن لي أني سأعثر عليه؟‬                                     ‫ويطلق ضحكة عالية‪.‬‬

                                                       ‫وأشعر بالخوف‪ ،‬لكني أتماسك وأقول لنفسي إ ْن‬
                                                     ‫هي إلا دقائق معدودة ويعيدني إلى صورتي الأولى‪.‬‬

                                                       ‫ثم ُتسمع جلبة شديدة ويعلو صرا ُخ نساء‪ ،‬وت ُع ُّم‬
   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117