Page 109 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 109

‫‪107‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

                                                        ‫عزة رشاد‬

                                                          ‫غبار‬

    ‫أستحقه‪ ،-‬أجلستها على أقرب مقعد حجري في‬                     ‫ذكروا أن امرأة تنتعل القبقاب العالي‪ ،‬تهوى‬
  ‫شارع صلاح سالم حيث التقينا‪ ،‬وبأناقة انحني ُت‬           ‫التجسس بالنظر من ثقب الباب وترفض أن تلضم‬

                                       ‫احترا ًما‪:‬‬             ‫«خيط في إبرة» أو ترفع َج َّرة ماء عن الأرض‬
          ‫‪ -‬وهل يخفى القمر يا صاحبة الجلالة!!‬                                          ‫وعندما انتقدوها‪:‬‬
     ‫ولهذا لم ترفض دعوتي لتناول الشاي في أحد‬
 ‫مقاهي «ال ُحسين»‪ ،‬وبعد الصلاة على النبي والثناء‬                   ‫‪ -‬ما تخلي في عينك حصوة ملح يا َمرة‪.‬‬
  ‫على آل البيت استجمع ُت شجاعتي وبادر ُتها‪ :‬لكن‬                                          ‫ردت باستنكار‪:‬‬
      ‫المكتوب يقول إن بنات جنسك هن من قتلن ِك‪.‬‬
‫أق ّر لساني بأنها هي بالفعل شجرة الدر‪ ،‬ليس فقط‬                ‫‪ -‬أنا سيدة القصر يا ولاد الكلب‪ .‬انحنوا عند‬
   ‫بسبب الثوب المرصع باللالئ الذي يجعلها تبدو‬                                                    ‫قدم َّي‪.‬‬
  ‫شجرة من اللؤلؤ‪ ،‬ولا لكونها تحمل نفس الملامح‬
  ‫الدقيقة المتعالية تما ًما كما في الصورة‪ ،‬كما تحمل‬             ‫جال ْت الأسواق ثم ارتق ْت المولات‪ ،‬وخاض ْت‬
      ‫نفس الذكاء الاستثنائي وخفة الروح وسرعة‬                   ‫مسابقات الجمال ونظر ْت بتح ٍّد في عيون كل‬
   ‫البديهة‪ ،‬وإنما أي ًضا لفراد ٍة في طريقتها في الكلام‬  ‫الرجال وعندما وضعوا صورتها على «الفيس بوك»‬
   ‫والضحك والتطلُّع والتصرف لا تنتمي لعصرنا‪.‬‬                 ‫نالت ملايين اللايكات والمشاركات ثم اكتشف ْت‬
                                                          ‫فوتوشوبات تستغل ُحسنها بتحريفات تصويرية‬
                         ‫انتبه ُت على صوتها يرد‪:‬‬            ‫وتعليقات سخيفة ونوايا عدوانية‪ ،‬ولهذا التفتت‬
  ‫‪ -‬لا تصدق‪ .‬فمن قتلني هو كل رجل استكثر عليَّ‬
  ‫ِحكمتي وبراعتي في الحكم وإدارة شئون الرعية‪.‬‬                                           ‫تشوح بسبابتها‪:‬‬
                                                        ‫‪ -‬موتوا بغيظكم يا أوغاد‪ .‬لا يمكنكم قتلي لأني ميتة‬
                                     ‫استوقف ُتها‪:‬‬       ‫أص ًل‪ .‬لس ُت شهرزاد التي تحيك الحيلة إث َر الأخرى‬
 ‫‪ -‬وماذا عن نساء القباقيب؟ أجاب ْت دونما اكتراث‪:‬‬         ‫كيف تضيف لحياتها يوما‪ ،‬بل أنا ابنة الموت بل أنا‬
  ‫‪ -‬جواري جارية «وإن ت ُك حرة»‪ .‬قبلت أن يتزوج‬
 ‫زوجها من غيرها «يأتيها ب ُض َّرة»‪ ،‬أما أنا فلم أقبل‪.‬‬    ‫الموت الذي لا يمكنكم الفرار منه‪ ،‬سأدفنكم جمي ًعا‬
 ‫هذا هو الفرق بيني وبينها‪ ،‬لكني أسامحها على أي‬              ‫بيدي‪ .‬أنا السلطانة «شجرة الدر»؛ سأنتقم لكل‬
 ‫حال فهي بالنهاية ضحية من حرضوها علىَّ‪ ،‬ومن‬
‫قبلهم هي ضحية من جعلوا الضعف والهوان يقران‬               ‫امرأة ضربها زوج «ركوبته أكثر رجولة منه»‪ ،‬لكل‬
‫في نفسها حد أنها تقتل وفا ًء لزوج لم يكن وفيًّا لها‬           ‫بنت تحرش بها أوغاد «الذباب أنظف منهم»‪.‬‬

                                  ‫ولا يوم واحد‪.‬‬           ‫نجح لسانها السليط‪ ،‬أكثر من الكلاب الثلاثة التي‬
     ‫برزت شفتاها وهي تستطرد بمرارة‪ :‬كلهم لم‬             ‫تتبعها كظلها‪ ،‬في تطفيش الفضوليين ولكن؛ يبدو أن‬
                                                         ‫حصاة قاسية تدحرج ْت تحت فردة قبقابها فكادت‬
                       ‫يكونوا أوفياء‪ .‬اسألني أنا‪.‬‬
                                                          ‫السلطانة تنزلق أر ًضا «زرع بصل» لولا ساعدي‬
                                                        ‫الذي كان في خدمتها ‪-‬بالطبع لم تكن مصادفة فمنذ‬

                                                            ‫علم ُت بوصولها وأنا أحوم حولها‪ ،‬أُمني نفسي‬
                                                             ‫بتحقيق صحفي مبتكر يضعني في المكان الذي‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114