Page 240 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 240
العـدد 29 238
مايو ٢٠٢1
له ولمن معه العودة إلى القرية (أل لإيجاد أرضية للتعايش معها وتجنب مع القطة كان صرا ًعا على البقاء حيًّا،
إيديليو) لحراستها ،وترك العجوز خطرها .ويعطيها حقها في أن تعيش فإن لم يقتل القطة ،فإنه لمن المؤكد أن
وحده ليصارع البهيمة الشرسة، حياتها الطبيعية وتعتني بصغارها، القطة كانت ستقضي عليه ،واكتسب
مقابل خمسة آلاف قالب من السكر وأن تك ّون أسرتها كما يحلو لها بعي ًدا صراع الشيخ مع سمكة القرش شيئًا
تمنحه إياها «الدولة» ،ولم يكن في نية من صراع الوجود أي ًضا ،فقد ناضل
المحافظ إلا التخلص من العجوز ،ولكن عن تدخلات الجشع البشر ّي. بكل قوته ليظل حيًّا وألا يصبح طعا ًما
هذا العجوز الم ّسلح بالخبرة والحب بالإضافة إلى ما سبق ترشد الرواية
والإنسانية ينجح في مهمته ،وبد ًل لها.
من أن يعود ليقبض الثمن الموعود، من باب آخر كيفية قراءة الكتب، هذه الرواية المبنية على عدة مواقف
يتخلص من بندقيته الملعونة بوصفها فالكتب لا تقرأ على عجل ،وإنما بتؤدة
وصبر لكي يفهم القارئ ماذا قرأ ،فلا سردية تكشف عن تلك الأطماع،
أداة قتل و ُك ْر ٍه و»بهيمة معدنية عجب إذن أن يكون العجوز قار ًئا ولا ولكنها الأطماع التي خلت من الح ّب
ملعونة من جميع المخلوقات» .ويتوجه
إلى (أل إيديليو) «نحو كوخه ورواياته يحسن الكتابة ،يقرأ الكلمات حر ًفا والإنسانية وعدم الفهم لحيوان
حر ًفا ،وصو ًل إلى الكلمة كاملة ،ثم الغابات وأهمية وجودها ،لقد كان
التي تحكي عن الح ّب بكلمات هي الجملة ،وكأنه يتذوق الكلام تذو ًقا «أنطونيو» يكتفي مث ًل بسحب ال ّس ّم
من الجمال بحيث تنسيه في بعض بمتعة ،ولم يكتف بذلك بل كان يعيش من الأفاعي ولا يقتلها ،ويجمع س ّمها
الأحيان بربرية الناس» .وهكذا تنتهي بفكره ويتخيّل ما هو مكتوب« ،وكان القاتل ليبيعه دون أن يؤذي تلك
الرواية بهذه الفقرة التي تومئ إلى يخصص سائر وقته لقراءة الروايات
الفكرة الأساسية من الرواية ،حيث الحيوانات.
الحب والقراءة كفيلان بجعل الإنسان والهيام بأسرار الحب وتخيل لقد قامت الرواية على أمرين :الح ّب
أكثر إنسانية .فإن كان للحب كل هذه تلك الأمكنة التي حدثت فيها تلك والقراءة ،فالحب بمفهومه الشامل
الفاعلية في حياة البشر ،فهل للقراءة هو الذي يمنح الإنسان عي ًشا طبيعيًّا
الحكايات». حتى وهو في الغابة بين الحيوانات
كل هذا الأثر أيضا؟ هذا التأمل في الكتب الروائية وما فيها الخطرة ،بل إن الحقد وسوء النية
أعتقد أن الأمر بحاجة إلى مزيد من هو الذي يح ّول القرود والخفافيش
التعمق أكثر من مجرد تحويل الكلمات من أسرار الحب والمعرفة ،هو الذي والقطط إلى حيوانات قاتلة ،ومن هنا
المكتوبة إلى معان ذهنية حبيسة النفس، جعله يقرأ الغابة جي ًدا ،ويستطيع أن يتبين القارئ أهمية القراءة ،وأي ًضا
بل يجب أن يكون للقراءة الإيجابية يتعامل معها التعامل الذي يؤهل له القراءة بمفهومها الشامل ،فقراءة
الكتب تمنحنا شيئًا أكبر من المعارف
للموضوعات المؤثرة في تحسين سلامته الشخصية من أذاها ،وقد والمعلومات ،إ ّنها تر ّوضنا لنكون أكثر
ظروف الفرد والمجتمع واقع محسوس أنقذ بفعل هذه القراءة الواعية للطبيعة انفتا ًحا على الآخر ،وتقبّله ،واحترام
والغابة وحيواناتها الرجل البدين ومن أفكاره ،وبالقراءة -كما ترى الدكتورة
ومطبّق ،وإلا ستبقى القراءة فع ًل معه ،وهم يتوغلون في الغابة بحثًا عن
أحمق يستهلك وقت القارئ دون تلك القطة الشرسة ،وخلّصهم من مواقف رزان إبراهيم« -نصبح قادرين
على التخلص من إملاءات الآخرين
النتيجة المتوخاة من القراءة الفاعلة لولا وجوده معهم لكانوا في عداد ونشعر باستقلاليتنا ،وتكون لنا
المغيّرة لنفوس البشر وعقلياتهم القتلى والمفقودين. رؤيتنا الخاصة وثقافتنا المميزة»(*)،
وسلوكياتهم نحو الأفضل وهذا ما يلاحظه القارئ في شخصية
لقد اكتسب الرجل العجوز «أنطونيو»
------------ قوة من هذا الحب ومن هذه القراءة/ أنطونيو عمو ًما.
* من حديث للدكتورة رزان إبراهيم المعرفة المعترف بها من رجل السلطة عدا أن الرواية لا تقف عند قراءة
الغب ّي الذي مثّله المحافظ خير تمثيل، الكتب والروايات فقط ،بل قراءة
عبر منصة زوم في ملتقى المبدعين الطبيعة ومظاهرها في الصحو والمطر،
الشباب ،اليوم الثاني/12 /11 ، هذان الأمران اللذان كان يفتقد وقراءة سلوك الحيوانات وفهمها
.2020 إليهما الرجل البدين بوصفه مسؤو ًل
حكوميًّا ،فقد كاد يودي به جهله
وحقده إلى الموت خلال رحلة البحث
تلك ،ولذلك فإنه وجد أن من الأسلم