Page 239 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 239

‫‪237‬‬          ‫ثقافات وفنون‬

             ‫كتب‬

                                      ‫مثلهم»‪ ،‬وعندما لدغته الحية‬                ‫يقرأ عجوز روايات غرامية لا بد من‬
                                                                                               ‫أنه لاف ٌت للانتباه‪.‬‬
                                      ‫وشارف على الموت‬
                                                                                   ‫لع ّل هذه الرواية تو ّجه المتلقي إلى‬
                                      ‫أنقذه الشواريون‪ ،‬وأما‬                       ‫حقيقة مفهوم القراءة‪ ،‬وماذا نقرأ؟‬
                                                                                ‫وكيف نقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ لا أظنني قد‬
                                      ‫الحيوانات فإنه لم‬                         ‫أخذت الرواية بعي ًدا عن هدفها عندما‬
                                                                               ‫أطرح هذه الأسئلة‪ ،‬وأو ّجه قراءتي لها‬
                                      ‫يكن ليصيد صغارها‬                            ‫نحو هذه ال ِوجهة‪ ،‬ولن أكون باحثًا‬
                                                                                ‫عن «تأويل التأويل»‪ ،‬ولا عن «معنى‬
                                      ‫ولا يصيد إلا من أجل‬                          ‫المعنى»‪ ،‬ولا ل ّي عنق النص لأجعل‬
                                                                                 ‫الرواية محورها القراءة وما يتصل‬
                                      ‫أن يأكل وفي أوقات‬
                                                                                                          ‫بها‪.‬‬
                                      ‫معينة‪ ،‬حتى لا يستف ّز‬                        ‫بداية يحدد العجوز اختياراته في‬
                                                                                  ‫القراءة‪ ،‬فيبتعد عن كتب الهندسة‪،‬‬
                                      ‫تلك الحيوانات وتصبح‬                        ‫فكأنها أحجيات أو بذاءات صريحة‬
                                                                               ‫كما وصفها السارد‪ ،‬ولم يرغب أي ًضا‬
                                      ‫شرسة‪ .‬لقد تجلى الحب‬                        ‫في قراءة كتب التاريخ التي وصفها‬
                                                                                  ‫كذلك بأنها «سبحة من الأكاذيب»‪،‬‬
                                      ‫في نفس «أنطونيو»‬                              ‫وإنما تستهويه كتب الحب‪ ،‬وقد‬
                                                                                  ‫عبر السارد عن تلك الرغبة بقوله‪:‬‬
                                      ‫عمي ًقا‪ ،‬وصاحبه على‬                       ‫«لقد كان (كتاب) السبحة لفلورانس‬
                                                                               ‫براكلي يحتوي على الحب‪ ،‬وعلى المزيد‬
                                      ‫مدى رحلته الروائية في‬                       ‫من الحب ودائ ًما على الحب‪ .‬وكان‬
                                                                                  ‫الأشخاص فيه يتألمون ويمزجون‬
                                      ‫الغابة‪ ،‬وهو يبحث عن‬                      ‫الهناء بالشقاء بقدر كبير من الجمال»‪.‬‬
                                                                                   ‫هذا المقتبس من الرواية مهم ج ًّدا‬
                                      ‫البهيمة‪ /‬القطة التي‬                         ‫في التأسيس للفكرة الأساسية لها‪،‬‬
                                                                                ‫ولمؤلفها‪ ،‬ففي الرواية يظهر هذا الألم‬
‫عفيف دمشقية‬  ‫رزان إبراهيم‬               ‫استشرست وقتلت‬                              ‫وهذا المزج بين الهناء والشقاء في‬
                                      ‫أربعة من البيض؛ لأن‬                       ‫نفوس الشخصيات‪ ،‬تلك الشخصيات‬
                                                                                   ‫التي تتحرك في فضاء من الغابة‪،‬‬
 ‫وذكرها‪ ،‬وتقوم المعركة الأخيرة التي‬                ‫أحدهم قتل صغارها‬
  ‫تنتهي بقتلها‪ .‬وفي نهاية هذا المشهد‬      ‫وجرح ذكرها‪ ،‬بقي يبحث عنها‪،‬‬                ‫وتواجه حيوانات خطرة وقاتلة‬
  ‫تظهر إنسانية «أنطونيو» حيث قام‬        ‫ليخلص الصيادين ومرتادي الغابة‬            ‫ومميتة‪ .‬لقد ظهرت إنسانية العجوز‬
‫«ومسح عليها العجوز ناسيًا ألم قدمه‬       ‫وحتى سكان القرية المجاورة (أل‬
   ‫الجريحة وبكى من الخجل شاع ًرا‬         ‫إيديليو) من شرها‪ ،‬حتى استطاع‬              ‫«أنطونيو خوسيه بوليفار» وحبه‬
  ‫بأنه خسيس ومحتقر وغير منتصر‬            ‫أخي ًرا أن يقضي عليها‪ ،‬ولكن تلك‬          ‫وألمه في الرواية في مواضع كثيرة؛‬
‫بأي شكل في هذه المعركة»‪ .‬وليس هذا‬         ‫المعركة والمناورة التي قامت بين‬       ‫في علاقاته مع الشخصيات الأخرى‪،‬‬
  ‫وحسب بل إنه «دفع جسم الحيوان‬        ‫«أنطونيو» والقطة الشرسة‪ ،‬كان فيها‬          ‫وفي علاقته مع الحيوانات‪ ،‬فهو كان‬
                                       ‫من الإنسانية ما فيها‪ .‬فقد حرصت‬             ‫يحب الشواريين على الرغم من أنه‬
‫القطة‪ ،‬من خلال متعة السرد الشائق إلى ضفة النهر فجرفته المياه إلى أعماق‬             ‫لم يكن واح ًدا منهم‪« ،‬بيد أنه كان‬
‫الغابة نحو أرا ٍض لم يق ّدر قط أن‬
                                      ‫الذي نجح المترجم الدكتور عفيف‬
             ‫دمشقية في نقله‪ ،‬على أن يقتل العجوز دنسها الرجل الأبيض»‪.‬‬
‫الق ّط الذكر الذي أصيب وظل يتألم‪ ،‬ربما أعادت مشاهد المعركة مع القطة‬
‫الشرسة الثكلى بأبنائها وذكرها مشهد‬    ‫فترشد القط ُة الرجل العجوز عبر‬

‫سلسلة من المراوغات إلى موقعه ليقوم صراع الشيخ مع سمكة القرش في‬
             ‫بقتله بإطلاق «رصاصة الرحمة» عليه رواية آرنست همنغواي «الشيخ‬
‫ليتخلص من عذابه‪ ،‬لقد عرف العجوز والبحر»‪ ،‬ولكن بإنسانية أوضح عند‬
‫بخبرته أنها كانت تريد أن يتخلّص أنطونيو كونه بط ًل ينتمي إلى أمريكا‬
‫ذكرها من العذاب بالموت‪ ،‬وقد ح ّقق اللاتينية‪ ،‬هذه القارة التي استنزفت‬

‫لها مرادها‪ ،‬ولكن المعركة لم تنته مع ثرواتها أطما ُع المستوطنين والرجل‬
             ‫القطة التي كانت تبحث عن الموت هي الأبيض‪ .‬وإن تشابها قلي ًل في أن‬

‫أي ًضا رحمة من عذابها بقتل أبنائها المشهد الأخير من صراع أنطونيو‬
   234   235   236   237   238   239   240   241   242