Page 7 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

  ‫بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال‪( :‬يا‬     ‫سيكونون أكثر شراسة‪ ..‬والأهم أن العالم‬
     ‫خالد‪ ،‬بهذا تقتلني)؟ فقال خالد‪( :‬بل لله‬         ‫عانى من حروب عظمى ‪-‬مثل الحربين‬
    ‫أقتلك برجوعك عن دين الإسلام‪ ،‬وجفلك‬
                                                ‫العالميتين‪ ،-‬ووباءات عديدة مثل الإنفلونزا‬
 ‫لإبل الصدقة‪ ،‬وأمرك لقومك بحبس ما يجب‬           ‫الإسبانية وغيرها‪ ،‬راح ضحيتها ‪-‬الحروب‬
‫عليهم من زكاة أموالهم)‪ ،‬قال‪ :‬ثم قدمه خالد‬      ‫والأوبئة‪ -‬ملايين الأرواح حول العالم‪ ،‬دون‬
‫فضرب عنقه صب ًرا‪ .‬فيقال إن خالد بن الوليد‬        ‫تفرقة بين غني وفقير أو أبيض وأسود أو‬

    ‫تزوج بامرأة مالك‪ ،‬ودخل بها‪ ،‬وعلى ذلك‬          ‫مسلم ومسيحي وبوذي‪ ..‬إلخ‪ ،‬ومع ذلك‬
                         ‫أجمع أهل العلم”‪.‬‬           ‫مضى العالم في طريقه‪ ،‬وزادت أشكال‬
                                                      ‫التوحش ومعدلات القتل على الهوية!‬
 ‫موضوع قتل مسلم اعترف لقاتله أنه يصلي‬
 ‫القبلة؛ والزواج بامرأته لوجود سابق علاقة‬      ‫سيدهشك أكثر أن الرسالات الدينية الكبرى‬
                                                ‫نفسها ‪-‬مثل المسيحية والإسلام‪ -‬التي من‬
    ‫بينهما‪ ،‬أو رغبة‪ ،‬ليست أشد ما ُيروى في‬       ‫المفترض أنها جاءت لتشيع العدل والسلام‬
  ‫هذه الحادثة التي قيل إن عم ًرا بن الخطاب‬
 ‫اعترض عليها وطالب بعزل خالد بن الوليد‪،‬‬           ‫والطمأنينة بين البشر‪ ،‬حملت معها رياح‬
 ‫وعزله بالفعل حين آلت إليه الخلافة‪ ،‬فهناك‬     ‫الحروب والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي‬
                                              ‫والقتل والتدمير‪ ،‬فالحروب الصليبية تسترت‬
    ‫حكايات عن قطع رؤوس الناس وسلقها‬
‫وأكلها‪ ،‬وفسخ أجساد ضعفاء بربط كل رجل‬               ‫وراء الدين لتستح َّل لنفسها قتال الناس‬
‫بناقة وزجرهما لينطلقا في اتجاهين مختلفين!‬        ‫واحتلال الدول ونهب خيراتها‪ ،‬كما فعلت‬
                                              ‫الغزوات الإسلامية ما هو أبشع حين فرضت‬
    ‫ثم هناك الروايات التي رويت عن حروب‬           ‫على الفقراء الجزية التي تذهب للمركز بدل‬
   ‫الفتنة‪ ،‬سواء بين جيش علي بن أبي طالب‬         ‫أن تحررهم وترفع عنهم أعباءهم‪ ،‬حتى أن‬
    ‫وجيش المبشرين بالجنة‪ ،‬وبينهم السيدة‬         ‫من ي َّدعون الحكمة والعدل يوازنون بين ما‬
  ‫عائشة بنت أبي بكر‪ ،‬أو بين جيشه وجيش‬          ‫كان يدفعه المصريون للبيزنطيين قبل الغزو‪،‬‬
                                                 ‫وما صاروا يدفعونه للعرب بعده‪ ،‬دون أن‬
      ‫معاوية بن أبي سفيان التي استخدمت‬         ‫يناقشوا فكرة فرض الإتاوات على الناس من‬
  ‫فيها المصاحف أداة للخديعة‪ ،‬ويقول الرواة‬
  ‫إنها (شطارة) و(حكمة) وفنون قتال! هذه‬             ‫الأصل! وفي هذا قد تنافس المتنافسون‪.‬‬
                                                ‫بل إن الذي يتابع تاريخ الصراعات الدينية‬
    ‫الحروب أُزهقت فيها عشرات الآلاف من‬         ‫سيجدها الأشد فت ًكا والأعلى إزها ًقا للأرواح‬
    ‫أرواح المسلمين‪ ،‬ناهيك عن قتلى الغزوات‬        ‫بالطرق الأكثر قسوة ووحشية‪ ،‬فقد بدأت‬
‫بد ًءا من تبوك مرو ًرا بالأندلس‪ ،‬وليس انتهاء‬
‫بالجرائم التي ترتكبها الجماعات العنيفة الآن‬       ‫الصراعات الدموية في التاريخ الإسلامي‬
    ‫من الجهاد والتكفير والهجرة إلى داعش‪.‬‬         ‫بعد وفاة النبي محمد مباشرة‪ ،‬فيما عرف‬
‫لا شك أن وجود الحكومات وأجهزتها الأمنية‬         ‫بـ»حرب المرتدين» الذين لم يجدوا أنفسهم‬
   ‫يقلل كثي ًرا من وقوع تلك الحوادث بسبب‬
‫الملاحقة والمحاكمات والعقاب‪ ،‬أقول يقلل ولا‬         ‫ملزمين بدفع الزكاة لأبي بكر لأنه ليس‬
‫يمنع بدليل مئات الحوادث التي تحدث يوميًّا‬     ‫مبعو ًثا من الله مثل النبي محمد‪ ،‬هذه الحرب‬
  ‫حول العالم‪ ،‬ولو غابت تلك الأجهزة لتحول‬
  ‫العالم إلى غابة حقيقية وبحار من الدم‪ ،‬وما‬       ‫التي تخللتها أعمال وحشية مثل ما ذكره‬
     ‫زالت حادثة قتل المواطن المصري حسن‬          ‫الواقدي في كتاب «الردة» ص‪« :701‬ثم قدم‬
    ‫شحاتة وضيوفه وحرق منزله ‪-‬في فترة‬
‫الفراغ الأمني التي أعقبت ثورة يناير ‪-1102‬‬         ‫خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه‪ ،‬فقال‬
  ‫ماثلة في الأذهان‪ ،‬فالفرد العادي مقتنع أنه‬   ‫مالك‪( :‬أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة)‪ ،‬فقال‬
 ‫ظل الله على الأرض‪ ،‬وأنه مسئول عن فرض‬
                                                  ‫له خالد‪( :‬لو كنت مسل ًما لما منعت الزكاة‬
                                                  ‫ولا أمرت قومك بمنعها‪ ،‬والله لما قلت بما‬
                                                  ‫في منامك حتى أقتلك)‪ .‬قال‪ :‬فالتفت مالك‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12