Page 12 - ميريت الثقافية- العدد (29) مايو 2021
P. 12
العـدد 29 10
مايو ٢٠٢1
باعتبارها إجرائيًّا ناج ًعا في مقاربة النص الأدبي، لأنه يرى اللامرئي والمجهول الكامنين في بنية
ومفتا ًحا أساسيًّا يتسلح به الناقد والقارىء للولوج الواضح والمحدد .فالرواية تكرس هذا الانشقاق
الروحي والعقلي والجسدي عما يحدث في الخطاب
إلى أغوار النص العميق قصد استنطاقه وتأويله. الأيديولوجي الحامل لخطاب الوصاية والاستعلاء
وإذا رجعنا إلى الدراسات النقدية العربية المعاصرة والتسخير والإقصاء لتتوغل عمي ًقا في الطبقات
في مقاربتها لمفهوم العنوان بصفته مصطل ًحا نقد ًّيا
اللاشعورية المجهضة المعتمة اللابدة في حنايا
إجرائيًّا في دراسة النصوص الأدبية أمكننا أن الذات وطوايا الواقع ومكنونات الثقافة ،فتكشف
نرصد الاهتمامات التالية للعنونة: وتعري وتفضح دون صراخ ولا جعجعة ،بل من
خلال البوح السردي الدامي الهادئ المنبعث من
( -العنوان نظام سيميائي ذو أبعاد دلالية ورمزية روح الشخصيات وظلال الحوارات وطبائع فساد
وأيقونية).
الأزمنة وتلاشي الأمكنة.
( -العنوان سمة الكتاب أو النص ورسم له وعلامة وبهذه المثابة تعد هذه الرواية إحدى الروايات
علية وله). السياسية الثقافية الجديدة في السرد العربي
المعاصر ،فهي لم تعد مثل روايات صنع الله إبراهيم
( -العنوان إشارة أو علامة سيميائية). ولا نجيب محفوظ ولا غالب هلسا مشدودة إلى
( -العنوان عتبة أولي من عتبات النص). أطروحة نقد الحاكم أو السلطة أو نقد سياسات
( -العنوان رسالة مسكوكة مضمنة بعلامات التعذيب أو نقد المعارضة المتمثلة مث ًل في اليمين
مشبعة برؤيا العالم يغلب عليها الطابع الإيحائى). أو اليسار ،بل هي رواية سياسية ثقافية تتحرك
( -العنوان بنية رحمية تولد معظم دلالات النص). تيماتها السياسية ضمن نقد حركة الوعي المجتمعي
( -العنوان يصبح مفتا ًحا تقنيًّا يحس به السيميائي الثقافي ككل ،وأقصد بالرواية السياسية الثقافية
نبض النص وتجاعيده وترسباته البنيوية الرواية المعنية بمواجهة سطوة الديكتاتوريات
وتضاريسه على المستويين الدلالي والرمزي). الرمزية النسقية الثقافية العامة المتمثلة في مجموع
-العنوان لدى (ليو هوك) يعني «مجموعة علامات العادات والسلوكيات والمحظورات الاجتماعية
لسانية ،تصور وتعين وتشير إلى المحتوى العام والسياسية والثقافية السائدة والمتحكمة في وعي
الواقع واللغة والذات والشعب من منظور روائي
للنص». معرفي تخييلي ،وقد التحمت الأحداث الروائية
( -العنوان مفتاح تأويلي عند امبرتو أيكو). الواقعية مع الأحداث الروائية التخييلية في الرواية
( -العنوان جزر توليدي لتشابكات النص عند حتى لا نستطيع أن نفرق بين حدود الواقعي
وحدود الوهمي الرمزي في الرواية ،فالكاتبة تقدم
ريكاردو)(.)1 من خلال الراوية ريم الغزال شخصيات واقعية
منذ عنوان الرواية نجدنا أمام جملة اسمية محورية في حياتها لها علاماتها الواقعية وتواريخها الفعلية
لكنها مضفورة بزخم تخييلي باهظ حتى ليتم
ستظل تلاحقنا على طوال البناء الروائي مكونة تحويل الواقعي إلى التخييلي لتقدم الرواية طاقة
من مبتدأ نكرة( :قاهرة) وخبر جار ومجرور (من سردية تخييلية نقدية للواقع السياسي والاجتماعي
ضباب) ،ومن خلال هذا التركيب اللغوي الغريب
المكون من نكرة تتعدى الحدود اللغوية للنكرة إلى والثقافي بغية تفكيكه وتجاوزه.
الدلالات الجمالية اللامرئية الثاوية خلف المفردة في جماليات العنونة
التي توقعنا في ضباب محير منذ اللحظ الأولى،
فمن هذه القاهرة التي من ضباب؟ هل هي القاهرة لقد أولت (السميولوجيا) أهمية كبري للعنونة
الوطن الذي ولدنا فيه؟ أم هي (قاهرة) هذه
المولودة اللقيطة التي رأتها الساردة ريم الغزال
بجور صندوق (القمامة) بلا أم ولا أب ،طفلة غير
شرعية منذورة للضياع وعدم الانتماء إلى أب وأم
شرعيين؟
ولسوف يخايلنا هذا الغموض الضبابي على طوال